للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

باسم محمد ودين محمد؟ على أن أبا سفيان ما لجأ إلى الإيمان، إلا بعد ما قاساه من الهوان. أما سمعت ما تحدث به الناس أنه بعد أن نقضت قريش عهد الحديبية جعل قلب أبي سفيان لا يستقر بين ضلوعه خشية محمد وبطش محمد فتسنم راحلته، وتوجه شطر المدينة ليؤكد العهد إن وفق، أو يستشف نوايا محمد إن أخفق، فنزل أول ما نزل على ابنته أم حبيبة زوج محمد، فما كادت تراه حتى طوت فراشا كان مبسوطا أمامها، فقال: أتطوين الفراش رغبة بأبيك عنه، أو رغبة به عن أبيك، فقالت: لا والله إنه فراش رسول الله الطاهر الأمين، أخشى عليه دنس الشرك ورجس الوثنية، فتشاءم الرجل، ونهض مغضباً، ودخل على محمد فازور عنه جانبه، فلجا إلى أبي بكر فطوى عنه كشحا فلاذ بعمر، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار. عندئذ ارتد على عقبه يجر ذيل الفشل وخيبة الأمل. على أنه بعدها لم يغمض له جفن، ولم يهدأ له جأش، وجعل يتوقع غزو محمد لملكه، وإن كان محمد حاط هذا الغزو بالكتمان. ولقد اشتد القلق بأبي سفيان، فخرج منذ حين ليكشف أمر المسلمين. نعم لقد شاهدته منذ حين في نفر من قريش، خرجوا يستطلعون خبر الجيش، فلقد تناقلت خبره الركبان، رغم مبالغة محمد في الكتمان. وكأني بأبي سفيان ما كاد يلوح غبار الجيش لعينيه، حتى سقط في يديه. وكانت في نفسه بقية شك في دعوة محمد، فما هو إلا أن رأى جيش المسلمين، فإذا الشك يقين، وكأنني به وقد مثل بين يدي محمد. فنظر إليه نظرة يكمن فيها شبح الموت، ولسان حال الرسول يقول:

إن على الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعاً

فلم يسع أبا سفيان إلا التسليم والإذعان

قالت الأولى: هاهو ذا الجيش قد دنا من مكة حتى صار قاب قوسين أو أدنى، وإنني لألمح أبا سفيان واقفاً بمضيق تمر عليه جيوش المسلمين فيلقا فيلقا، وما أخال هذا إلا من تدبير محمد، حتى يلمس الرجل مقدار ما يستهدف له قومه من الخطر إذا حدثتهم أنفسهم بالمقاومة، فيذهب إليهم نذيرا ينقل ما ألقي في نفسه من الرعب إلى قلوبهم. يا لله لسياسة محمد! إنه يريد أن يتم الفتح بدون أن تتطاير الرءوس، أو تتناثر الأشلاء، أو تراق قطرة من دماء. هل تريده أن تتبيني صدق ما أقول؟ أرهفي أذنيك. أصيخي إلى هذا النداء: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن) أسمعت النداء؟ أتحققت صدق

<<  <  ج:
ص:  >  >>