للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصناعة رغما عن اختلاف العقائد الدينية

على أن ابن بطلان النصراني هذا الذي كان محترماً ومقدراً عند زملائه المسلمين قاسى متاعب من المسيحيين أنفسهم؛ فأنه (لما دخل إلى حلب وتقدم عند المستولي عليها سأله رد أمر النصارى في عبادتهم إليه، فولاه ذلك، وأخذ في إقامة القوانين الدينية على أصولهم وشروطهم فكرهوه، وكان بحلب رجل كاتب طبيب نصراني. . . يحمل عليه نصارى حلب فلم يمكن ابن بطلان المقام بين أظهرهم، وخرج عنهم. . . وللحلبيين النصارى فيه هجو قالوه عندما تولى أمرهم) (مختصر من كلام ابن القفطي)

قال ابن أبي أصيبعة: (وتوفي ابن بطلان ولم يتخذ امرأة ولا خلف ولدا، ولذلك يقول من أبيات:

ولا أحد إن مت يبكي لميتتي ... سوى مجلس في الطب والكتب باكيا

كان ابن رضوان على النقيض لابن بطلان في أكثر مزاياه؛ فلم يكن لابن رضوان في صناعة الطب معلم ينتسب إليه، ولم يغادر نواحي القاهرة مرة، وكان معجباً بنفسه طماعا بخيلا، لما فقد ماله ذهب عقله، ولكنه مع ذلك كله لم يخل من خلق وعقل يحملاننا على العطف عليه والإعجاب به. هذا ما يمكننا تأكيد عن سيرة حياته: ذكر ابن أبي أصيبعة شيئاً غير قليل منها.

كان مولد ابن رضوان بالجيزة وكان أبوه فراناً، قال: (فلما بلغت السنة السادسة أسلمت نفسي في التعليم، ولما بلغت السنة العاشرة انتقلت إلى المدينة العظمى وأجهدت نفسي في التعليم. ولما أقمت أربع عشرة سنة أخذت في تعليم الطب والفلسفة ولم يكن لي مال أنفق منه فلذلك عرض لي في التعليم صعوبة ومشقة، فكنت مرة أتكسب بصناعة القضايا بالنجوم، ومرة بصناعة الطب، ومرة بالتعليم. ولم أزل كذلك وأنا في غاية الاجتهاد في التعليم إلى السنة الثانية والثلاثين، فإني اشتهرت فيها في الطب وكفاني ما كنت أكسبه بالطب، بل وكان يفضل عني إلى وقتي هذا، وهو آخر السنة التاسعة والخمسين) أما ابن القفطي فيقول (وكان في أول أمره منجما يقعد على الطريق ويرتزق لا بطريق التحقيق كعادة المنجمين، ثم قرأ شيئاً من الطب وشيئاً من المنطق وكان من المغلقين لا المحققين. ومع هذا تتلمذ له جماعة من الطلبة وأخذوا عنه، وسار ذكره، وصنف كتباً لم تكن غاية في

<<  <  ج:
ص:  >  >>