للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الزواج]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

لا أدري ماذا دها الناس، فإنه يندر أن اسمع في هذه الأيام بزواج موفق؛ فهل صار نظام الزواج فير صالح لهذا الزمن؟ أم العيب في الناس لا في النظام ولا في الزمن؟ ولا شبهة في أن للزواج عيوبه. فما الزمن، يخلو شيء في دنيانا هذه من عيب؛ وان له لمتاعب؛ وإن مسئولياته لعديدة وثقيلة، ولكن النجاة من المتاعب عسيرة في الحياة؛ وانه ليظن حمقا من يتوهم أنه يستطيع أن يحيا ويخلو مع ذلك من المتعبات سواء أتزوج أم أثر الوحدة والاستفراد. واحسب إن كثيرين من الرجال والنساء أيضاً يقدمون على الزواج وهم يعتقدون أنه صفو لا كدرة فيه، ومتعة لا تنقص ولا ينغصها أو يفسدها شيء. وحلاوة لا تشوبها مرارة، فتخيب آمالهم كما لا بد أن يحدث، ويضجرون ويتأففون ويشكون وتتلف أعصابهم فلا تعود تقوى على احتمال ما كان ظنهم ألا يكون. وهذا شأن كل من يتناول الحياة بخفة، وواجهها بغير ما ينبغي من التهيؤ للاحتمال، ومن الاستعداد للتشدد والجلد والمقاومة.

وقد كنت أتكلم في هذا وما إليه مع صديق فقال: الحقيقة إن الزواج نظام ثبت إخفاقه وقلة صلاحه في هذا الزمن، فعذرته لأنه ممن جر عليهم الزواج نكبات كثيرة يشق احتمالها، ولكني لم أر رأيه، فقلت له: (لا تغلط يا صاحبي فان كل زمن ككل زمن، وهذه الاختراعات الكثيرة لم تغير شيئا من حياة الناس وفطرهم، ولم تقلب الحقائق الاجتماعية، وما خلا زمن قط ممن يسعدهم الزواج وممن يشقون به، ولا من الراضين والساخطين على هذا وغيره من أحوال الحياة وما زال الرجل كما كان، والمرأة كما عهدها آباؤنا وأجدادنا عفا الله عنهم ورحمهم، ومع ذلك قل لي ماذا تطلب من الزواج وأنا أقول لك ماذا ينبغي أن تبلغ به أو ما لا بد أن يصيبك من خيره أو شره)

قال: (اطلب الراحة والاستقرار. . . ماذا اطلب غير ذلك؟) قلت: (إن الراحة مطلب لا سبيل إليه في الحياة، وهي لا تكون إلا بالموت على أن هذه لا تعد راحة مادام المرء لا يحسها ولا يدرك أنه مرتاح، ولا يعرف حتى ما صار إليه؛ والاستقرار كذلك عسير لأن حياتك كلها قوامها التحول والتغير، وجسمك ونفسك وخواطرك وآمالك وشهواتك وكل ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>