للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جانب وزيادة السكان من الجانب الآخر. وأكبر أخطار الديمقراطية هو ما نحاول نشره يوميا (خصوصا بالسينما والراديو) من فرص للمساواة المزعومة بين الناس مما يسهل انعدام شخصية الفرد في آلاف يراهم مثله. واكبر أخطار زيادة السكان هو الفقر والعطلة، فالتحول بالأخلاق من ينابيعها الأدبية والروحية إلى غرائز الإجرام الحيوانية الكامنة هي أيضاً في الطبيعة البشرية

ولا ريب في أن الناشئ في هذا القرن يقاسي من هذه الصعوبات مالا عهد للسابقين به، ويتعرض من أخطاره لما لم يعرفه غيره ممن قبله، غير انه لا ريب كذلك في أن إطلاق مبادئ النجاح المادي من عقالها وترك النضال القديم الذي يعترف بحدود الأخلاق والدين إنما هو في الواقع هروب من الجهاد الصحيح إلى عراك آخر رخيص يبيح الصعود بالهبوط، والوصول لنعيم الجسم بفقدان الروح، ولضخامة الكسب بموت الضمير

وسيكون اختيار الناس لهذا النوع أو ذاك من النضال تبع فهم كل منهم معنى الكرامة والحياة، ولا فائدة على أي حال من خطاب من فسدت مقاييسه أو خبث طبعه، ولكن الذي لا بد من بيانه في هذا الصدد أن النجاح برغم كل ما تقدم من وصف صعابه لا يستلزم تغييرا في كيف السعي بل في كمه؛ وبعبارة أخرى هو يستلزم زيادة في الجهد لا ما يدعو إليه المستهترون بالاجتماع السليم من اطراح ما قامت عليه المدنيات من قواعد الشرف والأدب.

فإذا تبين أن سبيل النجاح الآن لا يخرج عما كان في كل آن من انه طلب التقدم بكل وسيلة شريفة بقى أن نبحث عن أهم شروط هذا الطلب فلا نجد غير إرادة النجاح، والإرادة هي إرادة الوسائل وعقد النية على العمل بها لا الإرادة الجوفاء الشبيهة بالأحلام

وباعتبار ما تقدم عنه من امتياز هذا القرن بشدة التنافس الاقتصادي فيه يجب أن نضيف إلى شرط الإرادة شطاً آخر هو القدرة على إنزال المال منزلته الصحيحة من انه وسيلة للحياة المادية، وانه هو الحياة المادية نفسها يجب أن يتخذا وسيلة لأن يحيا المرء حياته الروحية التي هو جدير بها. فإذا عمل عامل بهذه العقلية وتلك الإرادة فداوم على تهذيب نفسه مع السعي لترقية حاله وحافظ على شخصيته في كل الظروف فهذا هو الفضل وهو النجاح.

<<  <  ج:
ص:  >  >>