للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تابع لتحضر الأمة وأخذها بأسباب الكتابة والعلم، وقد استطال الطور الأول في العربية وغزر ما حفظ من أثاره لظروف خاصة، وإن يكن الكثير مما أثر من ذلك موضع الشك أما الأدب الإنجليزي فلا يحتوي تاريخه على آثار ذات بال تمت إلى الطور الأول المتبدي إلا أساطير وشذوراً اتخذها الأدب فيما بعد مادة لسبحاته الفنية، وإنما يبدأ تاريخ الأدب الإنجليزي الصحيح بعصر اليزابيت الذي كانت الأمة فيه قد تشربت ثقافة اللاتين والإغريق واقتبست كثيرا من حضارة أوربا، وخمدت فيها الفتن واستتب السلام في ظل آل تيودور. ومن ذلك العصر يبدأ الطور الفني للأدب الإنجليزي وهو طور تاريخه تاريخ رقي مطرد للأدب في الأشكال والمواضيع والأفكار والأساليب وتخلص مستمر من شوائب الصناعة وتجرد تام في عالم الفن الصحيح. والأدب الإنجليزي في هذا كله يمثل التطور الطبيعي المعقول لكل أدب: جرى الشعر إلى غاياته وتلاه النثر، وتوسعت جوانب كل منهما تدريجا وتعدد مجالاته وتميزت أشكاله وتبينت أغراضه.

تهيأت لكلا الأدبين العربي والإنجليزي أسباب الدخول في الطور الفني. فازدهرت الحضارة وذاعت العلوم ودونت الكتب وانتشرت الرفاهية وتوفر الوقت للعمل الفني المتصل، بيد أن الأدب الإنجليزي كان ابعد شوطا في مضمار الفن الخالص، واكثر تجرداً من شوائب الصناعة والمادة التي تلازم الأدب أو الفنون عامة في بداءتها، إذ أحاطت بالأدب العربي ظروف حالت بينه وبين التخلص من جميع هاتيك الشوائب. فجاء الأدب الإنجليزي اكثر فنية في الموضوع وفي الأسلوب.

ففي الموضوع احتوى الأدب الإنجليزي من تصوير الطبيعة وسير الأبطال وخرافات الماضين وأوصاف الرحلات وآثار الفنون الأخرى كالتصوير، ما يفيض جمالا وتنسم منه نسمات الفن الخالص والفكر البعيد والإنسانية الشاملة، وكل هاتيك مواضيع لم يولها الأدب العربي مكانة اولى، وفي الأسلوب توفر الأدباء الإنجليز على استخدام اللفظ قدر المستطاع لأداء المعنى وتصوير المنظر مستعينين بجرس اللفظ ونغم الوزن في النظم، في حين اهتم أدباء العربية للفظ في ذاته لا على كونه مجرد وسيلة للمعنى، وظهرت الوحدة الفنية أو الفكرة الجامعة في القصيدة وفي المقالة وغيرهما من أشكال الأدب في الإنجليزية، على حين ظلت القصيدة في العربية وإن أصبحت اكبر تقسيماً وأجود ترتيبا مما كانت عليه من

<<  <  ج:
ص:  >  >>