للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قرائي الذين يحبونني]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

لكل كاتب قراؤه. وما من كاتباً يعدم قارئاً من كل طبقة، ولكن المعول على الأوفياء الثابتين على الولاء، فإن هؤلاء طريق الرزق، ووسيلة الاطمئنان والدعة، ولولاهم لما عرف المرء متى يمكن أن يتاح له أن يأكل، وإن كان لا يجهل كيف يجوع. ولست اعرف ماذا يصنع غيري ليهتدي إلى طبقات قرائه، ولكني اعرف إن مصلحة البريد أغنتني عن عناء السعي ومشقة التفكير في الوسائل المعينة على الاهتداء، فإن رسائل كثيرة تأتيني منها فأستخلص منها العلم الذي اطلبه والمعرفة التي اشتهيها. وما اكثر ما قلت لنفسي أن الجاحظ وأبن المقفع وعبد الحميد الكاتب ومن إليهم من هؤلاء الزملاء والرصفاء، كانوا مساكين. أوه جداً - فما عرفت الدنيا في أيامهم مصلحة البريد. وقد كان من الصعب ولاشك أن يعرفوا مبلغ حب الجمهور لهم وإعجابه بهم وماذا كان يمكن أن يبلغ من رواج كتبهم لو أنها كانت تطبع وتباع في المكاتب، وقد حرمهم هذا الحال الاستقلال عن الأمراء ومن إليهم. ومن الصعب أن يعمل المرء في الظلام. نعم كان الواحد منهم لا يعدم تشجيعاً من الشعب، ولكن هذا كان فلتة لا تحسب ولا يعول عليها. ومن السهل أن يتصور المرء إن الجاحظ مثلاً كان يلقى في الطريق واحداً يتقدم إليه ويقول له: (اسمح لي. . هل أنت الذي يسمى الجاحظ؟.)

فيهز رأسه أن (نعم) وهو راجف القلب لأنه يخشى الاعتراف الصريح المقيد، لئلا يكون هذا السائل من الشرطة

فيقول الرجل: (لقد صدقوا. . اعني أن أسمه في محله. . على كل حال. . ثابر يا بني!. . فأني أتنبأ لك بمستقبل باهر. .)

ويربت له على كنفه ويمضي عنه مبتسماً، وعينه إلى الملك الذي ينبغي أن يكون محتفظاً بمكانة على يمينه، مرهف الأذن مقيماً سن القلم على الدفتر المفتوح ليقيد له هذه الحسنة - حسنة التبرع الكريم بالتشجيع

وإذا كانت الرسائل التي ترد إلي دليلاً على شيء، فأني أكون أحب الناس - أعني الكتاب - إلى ثلاث طبقات: - المرضى، واللصوص، وقد نسيت الطبقة الثالثة. . لا بأس من يدري؟. . ربما تذكرتها أثناء الكلام. وقد عرفت هذا من الرسائل التي يحملها إلي البريد،

<<  <  ج:
ص:  >  >>