للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة العلم]

قصة المكروب

كيف كشفه رجاله

ترجمة الدكتور أحمد زكي بك

مدير مصلحة الكيمياء

- ٤ -

وفي عام ١٩٠٢ انبرى إرليش يطلب غايته، فأخرج كل ما لديه من الأصباغ وسواها صفاً صفاً فلمعت وبرقت واختلط لألاؤها. وتقاصر متقرفصاً أمام قمطراتها فتراءت زجاجاتها على رفوفها كالفسيفساء الرائعة في اختلاط ألوانها. فصاح لما جرت عينه عليه: (ألا ما أجل وأجمل!). ثم اقتنى لنفسه طائفة كبيرة من أصح الفئران. واقتنى لنفسه معها دكتوراً يابانياً مخلصاً غاية الإخلاص في عمله، صبوراً غاية الصبر فيه؛ وكان اسمه شيجا وكان عمله ملاحظة هذه الفئران وقص قطع من أطراف ذيولها ليأتي منها بنقطة من الدم يبحث فيها عن التريبنسومات، أو قص قطع أخرى من نفس الذيول ليأتي منها بنقطة دم يحقنها في دم الفأر السليم التالي وهلم جرا - واختصاراً كان واجبه أن يقوم بكل الأعمال الثقيلة الطويلة التي لا ينهض بها إلا جهد الياباني وصبره. وجاءت التريبنسومات اللعينة إليه أولا من معمل بستور بباريس في خنزير غيني حق عليه الفناء. ومن هذا الخنزير أخذها وحقنها في أول فأر، ومن ثم بدأ الطراد

وجربوا في هذه الفئران نحوا من خمسمائة صبغة! تجارب اعتباط وخبطات عشواء لا تمت بسبب إلى الأسلوب العلمي، ولكن هكذا كان إرليش في بحثه. كان كأنه البحار الأول يبحث بين أخشاب الشجر عن أوفقها لصناعة مجاذيفه. كان كالحداد الأول ينكش معادن الأرض يتحرى أنسبها لسبك سيوفه. كانت في اختصار طريقة بدائية هي أقدم طرق الإنسان للوصول إلى المعرفة، طريقة المحاولة الطويلة والعرق الكثير في سبيلها. وتقسماها بينهما، فقام إرليش بالمحاولة الطويلة، وقام شيجا بالعرق الكثير. وتلونت أجسام

<<  <  ج:
ص:  >  >>