للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفريق الأول منذ عهد الإمام محمد عبده، ولذلك دعا له بهذه الدعوة التي تعتبر نبوءة صادقة من الإمام قال له: (أقامك الله في الأواخر مقام حسان في الأوائل)

ومازال الرافعي حجة من حجج الشرق والإسلام في عصر فقير من الأقلام المجاهدة الذائدة؛ وقد أتى عليه زمن أوشك فيه أن يكون وحده آخذاً جهة في الميدان وجميع الكتاب في جهة مضادة، وكان هذا في الزمن الذي أعقب الثورة المصرية سنة ١٩١٩ والذي طغت فيه على مصر موجة هدامة تطرقت حتى إلى أقدس مقدساتنا وهو القرآن الكريم، ولم تنحسر هذه الموجة إلا بعد سنة ١٩٣٠ حيث تعرف الناس بفضل الجمعيات الدينية إلى أمجاد دينهم وتاريخهم. وقد أمد الرافعي هذه الجمعيات ببيانه المترجم عن النزعات العربية الإسلامية في زمن كانوا أحوج ما يكونون فيه إلى مثله. ولم ينته عصر المقاومة بين الفرقين إلا وقد ظهرت في الميدان أقلام تبني وتترجم وتكشف عن المدخرات في ميراثنا وكان لها من قلم الرافعي لواء وروح وموسيقى. . . . ثم أعقب ذلك هذه الموجة الدينية العربية التي تغمر روح الشباب المصري وتدفعه إلى الثورة في سبيل تعميم التعليم الديني حتى في كليتي الطب والهندسة!

أليس هذا نصراً عزيزاً للرافعي وأمثاله ممن سلخوا ثلاثين عاماً وهم في شبه وحدة في الميدان؟ أليست مقالته القريبة (قنبلة بالبارود لا بالماء المقطر) نشيد النصر وأهازيج الظفر بخصوم عتاة؟

فليت شعري ماذا كان يريد بعد ذلك من حركة التطهير؟

إن الرافعي ليتسامى إلى حيث لا يبلغه أحد حين يضع نشيداً دينياً أو وطنياً. ويخيل إلي أنه حين كان ينظم أناشيده يستجمع حاسته السادسة التي تعوض بها من حاسة السمع، ويجلس على جناحي الزمن: التاريخ والغيب، ثم يضرب على أوتار القلوب بألحانه التي كان يسمعها من ذكريات الأصوات والأنغام، ومعانيه التي كانت لا تتنزل إلا له وحده

واقرأ إن شئت برهاناً على ما نقول النشيد الذي وضعه لجمعيات الشبان المسلمين، أو نشيد سعد زغلول، أو نشيد الوطن، أو النشيد الوطني الذي وضعه أخيراً، لترى هل يستطيع غيره أن يصل إلى ما وصل إليه هو من بيان واجبات الشاب ونجواه لمجده ودينه ووطنه

إن الرافعي لم يكن كاتباً يكتب للفن وحده، ولكنه كان صاحب رسالة وأهداف سار إليها منذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>