للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن شب عن الطوق في دولة القلم

وإن شعوره برسالته تلك استولى عليه في كل ما كتب حتى فيما كتبه يعاجز به أدعياء التجديد الذين كانوا يخوضون منه في ساحل ضحضاح ويضرب هو في عبابه وأعماقه ويخرج بالدرر اليتيمات، فهو لم ينس غايته فيما كتبه من أحاديث الحب والمراقص والسوامر

ولم تخدعه عن غايته فتنة الشهرة وتملق الجماهير بادعاء الإلحاد وزعم التجديد فيدلي بالكلمة الكافرة والرأي الآثم، بل فرض نفسه وفكره فرضاً. وكان ينعى على الأدب الصحفي الذي يسير فيه (صعاليك الصحافة) وراء الجماهير حتى أسلمهم الحال إلى أن يكونوا مقودين لا قادة كما يجب أن يكون وكما تملي عليهم مهمتهم

لقد حظي الرافعي بشرف المبالغة من مؤيديه ومعارضيه، شأن كل عظيم رأته الأرض؛ غير أن حظه من شهادات المقدرين لأدبه في حياته من أوفر حظوظ الأدباء. فقد ظفر بنبوءة الأستاذ الإمام وتقدير الزعيم الأكبر سعد زغلول لبيانه الذي (كأنه تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم) وتلقيب أمير البيان الأمير شكيب أرسلان له بحجة العرب ونابغة الأدب. وقول المغفور له احمد زكي باشا (لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير وهوجو كما للفرنسيين هوجو، وجوته كما للألمان جوته) وإجماع الناس على أنه أوحدي في فنه اللفظي وتوليد معانيه مما وراء حدود الكتاب والمنشئين، مما سما بنثره إلى درجة تعلو الشعر في موسيقاه وترجيعه. وأذكر أنه محرر مجلة الهلال كتب عنه كلمة: بمناسبة ظهور الطبعة الثانية من كتابه (المساكين) قال فيها ما معناه (إن من يقرأ للرافعي يؤمن بأن البلاغة حاسة سادسة)

وقد سمعت منذ ثلاثة أشهر من أحد كبار من أثق بعقلهم ونقدهم وممن كانوا يسخطون على طريقة بيان الرافعي قبل أن تجلوه (الرسالة) يقول: (إن الرافعي يصل في بعض الأحيان إلى مرتبة الإعجاز. . .)

وأذكر أيضاً أني قرأت في مجلة الزهراء التي كان يصدرها الأستاذ الكبير محب الدين الخطيب منذ عشر سنوات أو تزيد أن أحد المعجبين به من أدباء المهجر كتب إليه يقول إن لولا (الجملة القرآنية) لكان أبلغ من كتب بالعربية في جميع عصورها. .

<<  <  ج:
ص:  >  >>