للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بدموعي وفؤادي المحترق. قلت: أعرفك بكاء وإني لعاجز. ولكن اسمع وما أردت أن أكون دونه - اسمع لقد انهدمت الدعامة الرابعة من دعائم (الرسالة) بموت الرافعي. وإنا لنرجو أن تعود، فهي اليوم تقوم على ثلاثة دعائم، قال: لم أفهم فأفصح، قلت: يا هذا ألا ترى أن دعائم الرسالة أربع:

العاطفة والشعر، فالعقل والعلم، فالتجربة والتهذيب، فالإيمان والفضيلة: رجل العاطفة والشعر الزيات يكتب بعاطفته من قلبه وحنينه وأنينه ليلهب عواطف الأمة ويوقظ شعورها ويوقد حماسها فتتجه نحو المثل الأعلى. يفعل هذا لأن فيه طبيعة الشاعر الملهم المتألم المتأمل.

ورجل العقل والعلم أحمد أمين يكتب بعقله وعلمه ليثير عقل الأمة وليزيد في علمها من علمها وتراثها فتسير في طريق العقل النير والعلم الممحص، يفعل هذا لأن فيه طبيعة القاضي النزيه والعالم المخلص. . . ورجل التربية والتجربة المازني يكتب من تجاريبه ودراسته للنفس والأمة ليهذب من أخلاق الشباب، فيسير على ضوء التجربة من حوادث الماضي. يفعل هذا لأن فيه طبيعة الأستاذ المربي.

ورجل الإيمان والفضيلة الرافعي يكتب بإيمانه وعقيدته ليدافع عن إيمان الأمة ويثبت إيمان الأمة وعقيدتها، فتسير بنور الإيمان ثابتة العقيدة طاهرة المبادئ جريئة في الحق صريحة في نبذ الباطل، يفعل هذا لأن فيه طبيعة المسجد وشيوخ المسجد، ولأن فيه أثراً من وراثة الأسرة المجيدة والبيت الرفيع من الفاروق رضي الله عنه إلى عبد الغني وعبد القادر وأمين وعبد الرحمن ومصطفى صادق. أسمعت ووعيت؟ قال: سمعت وزد. قلت: وإن هذا الارتباط بين كتاب الرسالة بدون تعمل وتعمد من أعاجيب نهضة الأمة ويقظة الأمة ورغبة الأمة وتوفيق الرسالة، فهي قد لفظت وتركت غير هؤلاء الذين شذوا عن هذه المبادئ وضمت من سار على نهجها وخطتها. تركت غير هؤلاء عن غير قصد ولا عمد، وإن زعموا أنهم تركوها حاسبين أنها محتاجة إليهم مع أنها في غنى عنهم، فليسوا هم أصحاب الرسالة وإن أيدوها بموقفهم السلبي ومناقضتهم، فإن جلاء الحق لا يظهر إلا بمزاحمة الباطل، أسمعت ووعيت؟ قال: هذا صحيح فزدني. قلت: ماذا أزيدك؟ وأخذتني عبرة وطفقت أنشد بيت الرافعي الذي يرثي به أحمد تيمور باشا، وما أحقه أن يرثى به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>