للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوقت نفسه، بأن تفكيرنا وعملنا في هذا السبيل يكون من قبيل الشعر أو الفلسفة أو السياسة. . . فلا يدخل في نطاق (البحث العلمي) بوجه من الوجوه. .

لكم، أيها الأستاذ، أن تتمنوا زوال الأنانية من الأمم؛ ولكم أن تصبوا إلى رؤية مجتمع تتغلب فيه مصلحة الدول على مصلحة الدولة الواحدة، ولكم إذا شئتم أن تقوموا بدعاية ترمي إلى تضحية مصلحة الدولة الواحدة إلى مصلحة سائر الدول. . . فأني لا أناقشكم في كل ذلك في هذا المقام؛ غير أنني أقول بأنه لا يحق لكم بوجه من الوجوه أن تعزوا تمنياتكم ونزعاتكم هذه إلى (العلم) فتقولوا (العلم لا يتفق مع الوطنية)

فأن العلم لا يختلف الآن إلا مع ما يخالف الواقع. . وأننا مهما تعمقنا في تحليل طبيعة العلم من جهة وطبيعة الوطنية من جهة أخرى لا نجد بينهما ما يستوجب الاختلاف بوجه من الوجوه.

بعد أن وصلنا إلى هذه المرحلة من المناقشة أرى أن نترك هذه (الأحكام الآنية) جانباً، لنستقرئ الوقائع التاريخية فننظر فيما إذا كان العلم والوطنية قد اتفقا أم اختلفا فعلاً في مختلف الأجيال. . .

إنني أستطيع أن أذكر وقائع تاريخية كثيرة تشهد على (اتفاق العلم مع الوطنية) و (خدمة العلم للوطنية) بصورة فعلية، لعل اقدم هذه الوقائع يعود إلى عهد (أرخميديس) الشهير، ويتعلق بقصة مقاومته للرومان، فأن هذا العالم الكبير الذي يعتبر من آباء علم الميكانيك، والذي يتردد أسمه حتى على ألسنة طلاب المدارس الابتدائية في دروس الطبيعة والأشياء، هذا العالم الكبير لعب (بعلمه) دوراً هاماً في تاريخ وطنه سيراقسة، فعندما حاصرها الرومان، وضع كل ما عنده من علم وقوة وتفكير واختراع إلى خدمة وطنه، فأستعمل المنجنيقات والمرايا المحرقة لتخريب أسطول المحاصرين، فمكن المدينة منَ الدفاع عن نفسها دفاع الأبطال، إذن، فالعلم والوطنية اتفقا في نفسية أرخميديس في أمر الدفاع عن الوطن المحصور، ولم يختلفا بوجه من الوجوه.

أن الثورة الفرنسية أيضاً تعطي لنا مثالاً بارزاً (لتعاون العلم والوطنية): عندما تألبت الدول الأوربية على فرنسا بقصد خنق الثورة في مهدها، جابهت الدولة المذكورة مشكلة كبرى، كادت تقضي عليها لولا مساعدة العلم والعلماء لها، فأن الحصار الذي أحاط فرنسا بالنار

<<  <  ج:
ص:  >  >>