للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أكثرها من المدارس الأميرية وحصلوا على شهادة الدراسة الثانوية، وهؤلاء لا يصلحون صلاحية تامة لدراسة اللغة العربية إلا بعد عهد طويل لا تكفي له سنو الدراسة الجامعية؛ ذلك أن اللغة العربية متصلة اتصالاً وثيقاً بالدين، ولا يمكن أن يحذقها ويستطيع أن يفهم كتبها القديمة إلا من بلغ درجة عالية في فهم القرآن والحديث والفقه وأصول الفقه والتاريخ الإسلامي، والطلبة الذين تأخذهم الجامعة لهذا القسم لم يثقفوا هذه الثقافة، ولا تستطيع الجامعة أن تكمل هذا النقص مهما بذل المدرسون من الجهد، ومن أجل هذا ترى أن طلبته بينما يجيدون نهج البحث في المسائل إذ يقصرون تقصيراً معيباً في مسائل تعد في نظر ألا زهر ودار العلوم مسائل أولية وهي في الواقع كذلك.

إذن من الحق أن نقول إن المعاهد التي تدرس اللغة العربية في مصر تعجز عن إخراج المعلم الكف، ومن العجيب أن توجد هيئات ثلاث لتحضير معلمي اللغة العربية والبلد لا يحتاج إلا إلى هيئة واحدة؛ ثم كل هذه الهيئات معيب لتوزع قواها، ولو وجدت القوى في هيئة واحدة - ولا أتعرض الآن لبيان ما هي - لاستطاعت أن تخرج خير نموذج للمعلم، ولكن يعصف بهذه الفكرة الصالحة تعصب كل فئة لنفسها، فضاعت بذلك المصلحة العامة

ويتصل بأمر المعلمين مسائل كانت هي الأخرى سبباً في الضعف وهي مناهج الدراسة والامتحانات والتفتيش

فمناهج تدريس اللغة العربية متحجرة برغم ما يبدو من مدنيتها وأناقتها. خذ - مثلاً - منهج قواعد اللغة العربية والبلاغة تجد أنهما إلى الآن لا يزالان هما بعينيهما منهجي سيبويه والسكاكي على الرغم من زخرفتهما، فالتقسيم الذي قسمه سيبويه في النحو والتعاريف التي وضعها والمصطلحات التي ذكرها هي هي في كتب المدارس اليوم. وكل ما حدث حتى في الكتب التي ألفت منذ سنوات قليلة - هو ذكر الأمثلة الرشيقة وتبسيط الشرح، ولكن لم نبذل أي مجهود في معالجة النحو على أساس جديد كضم مسائل متعددة إلى أصل واحد حتى يسهل على الطالب فهمها وتحصيلها وكوضع مصطلحات جديدة أقرب إلى الفهم ونحو ذلك، وحسبنا دليلاً على ذلك ما نراه في أجروميات اللغات الحية الأخرى، فأجرومية اللغة الفرنسية أو الإنكليزية اليوم تخالف - في الجوهر - ما كانت عليه منذ عشرين سنة فضلاً عن قرن وقرنين

<<  <  ج:
ص:  >  >>