للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التلخيص وإما نقل نتف من المذاهب أو قطع متفرقة عن كتاب الأدب المعروفين، وكلا الأمرين مضر أقصى الضرر بالثقافة الصحيحة، فأن هذه الثقافة لا يمكن أن تتلقى نتفا وأقساطا إلا لتكون أدبا ناقصاً أو علماً ناقصاً أو فناً ناقصاً، والمعرفة إذا اعتورها النقص في الأصول التي تقوم عليها، امتنع عليها أن تكون أداة قويمة لخلق التصورات العامة في العلم والأدب والفلسفة. وخلق التصور العام في العلم والأدب والفلسفة هي الغاية التي يجب أن تنتهي إليها الثقافة العامة، هي المثل الأعلى الذي ينبغي أن ينشد من العلم، وهي الهدف الذي يجب أن يرمي إليه التعليم.

إذن يكون ما نقلنا إلى اليوم من الآثار العلمية والأدبية عن المعرفة الجديدة، وبالحرى عن الثقافة الأوربية، إنما هو نتف وأجزاء، لها من الفائدة على قدر ما فيها من تعبير صحيح عن مذاهب أصحابها، وقلما يعبر الجزء عن الكل تعبيراً صادقاً قويماً

من جراء هذا كان ذلك الارتجاج العظيم الذي نشهده في مجالي الأدب العصري في مصر والشرق. ذلك بأنه أدب اعتمد على نتف من قديمنا وعلى نتف من الحديث المنقول عن أوربا، اعتمد على درس غير كامل لآدابنا القديمة، وعلى درس غير كامل للآداب الأوربية، فكان في جملته أشبه ببقايا السلع المختلفة إذا اجتمعت لتكون شيئاً جديداً، ولك أن تتصور مقدار ما في ذلك الشيء المكون من تلك البقايا من تنافر ونقص، إذا أنت صورت لنفسك حيواناً استحدثت صورته من أجزاء مختلفة من البقايا الحفرية جمعت من مختلف أجزاء الكرة الأرضية.

تلك حال الأدب، وهذه طريق العلم في عهدنا الجديد؛ فمن المسؤول إذن عن هذه الفوضى العظيمة؟

من الحقائق التي لا نزاع فيها أن ما استحدث حتى الآن من ألوان الأدب والعلم على نقصه، إنما يرجع إلى جهود بضعة أفراد يمكن عدهم على أصابع اليدين. على أن جهود هؤلاء كانت جهوداً متفرقة موزعة لم تجتمع يوما على غرض رمت إليه ولا نظرت إلى هدف صوبت نحوه ووجهت عملها نحو البلوغ إليه. ولقد عانى أكثر هؤلاء من عنت الدنيا ومن انصراف الناس عن الأدب والعلم ما جعلهم يفرون من ميدان العمل الواحد تلو الأخر، ليفسحوا الطريق لغيرهم ممن يريدون أن يقامروا على موائد الأدب والعلم إما بمالهم أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>