للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كنت سبباً في إيلامك؟

فأجاب: كلا! لا شيء مطلقاً، لقد اغتبطت حين سمعتك تطنب في جمال عائشة، لأنني شخصياً مفتون بها موله في حبها فقلت مبتسماً:

- ولكن مادام الله قد من عليك بها فانك في نظري رجل سعيد.

فتبرم وقال في ضجر: أنا سعيد؟ ومن أين لي هذه السعادة؟

فقلت له: أليست عائشة ملك يمينك؟

فقال: أجل أنها لي، ولكنها جارية، ابتعتها بعشرين ديناراً من سوق الرقيق، كانت إذ ذاك في العاشرة من عمرها وهي الآن في السادسة عشرة.

فنظرت إليه في دهشة، بيد أنه أحنى رأسه ثم صرح لي أنه يحبها من أعماق قلبه، فسألته للمرة الثانية: وما يمنعك عنها وهي جاريتك وملك يمينك؟

فأجاب: هذا صحيح، ولكن دون ذلك خرط القتاد، فالإنسان في هذا الوجود قد يبلغ قمة المجد وقد يصل إلى الشهرة وإلى المال ولكن هذه أمور ثانوية وليست لها أدنى قيمة إذا لم تؤدبنا إلى حب جارية مملوكة.

فهززت رأسي وأعدت نفس السؤال: ولكنها ملك يمينك؟

فقال: هذا صحيح، أن جسمها ملكي ولكن روحها ليست ملكاً لي، إنني لا أبغي منها ذلك الجسد ولا متعة الشهوة وحدها، بل أريد أن تبادلني حباً بحب وإخلاصاً بإخلاص.

وراحت الدموع تنحدر من عينيه وتسيل فوق خديه، ورمقته بنظرة فيها كل معاني الشفقة والرثاء لحالته، فهو والد وله أطفال وزوجتان أخشى عليهم جميعاً عاقبة هذا الحب الجديد.

وأعقب ذلك صمت طويل، تذكرت في خلاله مواقف الحب وسلطانها على النفوس، ثم رأيت أن أغادر الدار فودعت مضيفي وسرت اجتاز شوارع مكة الضيقة، حتى وصلت إلى الميدان العام وكانت تخترقه قافلة يحدو أصحابها بغناء شجي مطلعه:

من ذا (يلمني) إن بكيت صبابة ... الدمع دمعي والعيون عيوني

عبد الكريم جرمانوس

<<  <  ج:
ص:  >  >>