للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هو الزمان فانهم تعلموا فيه وتكلموا بعد أن لم يكونوا عالمين ولا متكلمين، ونقلوا بالكلام علومهم إلى غيرهم، فكلامهم وإفادتهم في زمان؛ وإذ ليس للأمور الإلهية بالزمان اتصال. فالله سبحانه عالم متكلم في الأزل، وهو الذي (يراهم) وغيره من الأوائل على أنحاء شتى، فمنهم من ألقى إليه كتابا، ومنهم من فتح الواسطة إليه بابا، ومنهم من أوحى إليه فنال بالفكر ما أفاض عليه)، قال السائل: (فمن أين له هذا العلم؟) قال المجيب: (علمه على حاله في الأزل وان لم يجهل قط، فذاته عالمه لم تكتب علما لم يكن له كما قال في (بيذ)، قال السائل: (كيف تعبدون من لم يلحقه الإحساس؟) قال المجيب: (تسميته تثبت أنيته. فالخبر لا يكون إلا عن شيء، والاسم لا يكون إلا لمسمى، وهو وان غاب عن الحواس فلم تدركه، فقد عقلته النفس وأحاطت بصفاته الفطرة، وهذه هي عبادته الخالصة، وبالمواظبة عليها تنال السعادة

ثم يعقب البيروني على هذه المحادثة بقوله: فهذا كلامهم في هذا الكتاب المشهور. وفي كتاب (كينا) وهو جزء من كتاب (بهارث) فيما جرى بين (باسديو) و (أرجن): إني أنا الكل من غير مبدأ بولادة ومنتهى بوفاة، لا أقصد بفعلي مكافأة ولا أختص بطبقة دون أخرى لصداقة أو عداوة؛ قد أعطيت كلا من خلقي حاجته في فعله، فمن عرفني بهذه الصفة وتشبه بي في إبعاد الطمع عن العمل، انحل وثاقه، وسهل خلاصة وعتاقه) وهذا كما قيل في حد الفلسفة: إنها التقيل بالله ما أمكن. وقال هذا الكتاب: اكثر الناس يلجئهم الطمع في الحاجات إلى الله. وإذا حققت الأمر لديهم وجدتهم من معرفته من مكان سحيق، لأن الله ليس بظاهر لكل أحد يدركه بحواسه، فلذلك جهلوه، فمنهم من لم يتجاوز فيه المحسوسات، ومنهم من إذا تجاوزها وقف عند المطبوعات. ولم يعرفوا أن فوقها من لم يلد ولم يولد ولم يحط بعين أنيته أحد، وهو المحيط بكل شيء علماً)

(يتبع)

محمد غلاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>