للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتاقت نفس رستم إلى الزواج، وهام بحب آنسة تدعى دوفيل وهي ابنة أحد منادي الإمبراطور، وكانت رائعة الحسن في التاسعة عشرة من عمرها؛ ولما طلب رستم يدها قامت في سبيله بعض صعاب شكلية لأنه لم يكن كالفتاة كاثوليكي المذهب، ورفض الأسقف الموافقة على هذا الزواج فتدخل الإمبراطور وقضى على هذه الصعاب، وتم زواج رستم بالآنسة دوفيل في سنة ١٨٠٦؛ ورزق رستم منها غلاما سمي (أشيل)، فطرب الإمبراطور لمولده وأغدق العطاء لمملوكه

وظل رستم متمتعاً برعاية الإمبراطور، يمرح في ظلال النعماء والنفوذ، حتى وقعت الكارثة، وهزم نابوليون في حرب التحرير واضطره الحلفاء الظافرون إلى التنازل عن العرش والسفر إلى جزيرة (إلبا)؛ وهنا سئل رستم كما سئل المخلصون من حاشية الإمبراطور، عما إذا كان يرغب في مرافقة الإمبراطور إلى المنفى، فتردد رستم في اللحاق به، وهرول إلى زوجه في باريس مغادراً ذلك القصر الذي أنفق فيه أعواما طوالا متمتعاً برعاية أعظم رجل في فرنسا، وفي أوربا بأسرها؛ ودلل بذلك على أثرته، ووضاعة نفسه؛ بيد أنه ندم على فعلته بعد، حينما رأى بداية العهد الجديد تميل إلى اضطهاد كل من كانت له صلة وثيقة بالعاهل المنفي؛ وكانت فرقة المماليك التي ينتمي إليها رستم قد انحلت مع مرور الزمن غادرها معظم رجالها ومات عدد منهم، وبقي رستم بعد ذلك ابرز أعضائها القدماء، ورأى رستم نفسه ينزل من علياء نفوذه بسرعة، ويجرد من سيفه وعمامته، وينظر إليه بعين الشك من الحكومة الجديدة. ألم يكن رسم اخلص حرس الإمبراطور وأقربهم إليه وأشدهم وطأة على أعدائه؟ وأحيط رستم برقابة صارمة، ونقل عيون الحكومة الجديدة عنه أغرب الأخبار، وقيل أنه يدبر مؤامرة لقلب الحكومة الملكية؛ والواقع أن رستم كان أبعد الناس عن هذه الريب، ولم يكن يود إلا أن يعيش في سلام بعيداً عن ذلك الماضي الذي يريبه ويزعجه

ولما عاد الإمبراطور من منفاه في إلبا توجس رستم شرا، وهرول إلى سيده القديم يلتمس الصفح والإعادة؛ فأبى الإمبراطور رؤيته، ورده باحتقار. وكان رستم يقيم عندئذ منزويا في بعض ضواحي باريس. فلم يكن أحب إلى نفسه من أن يستأنف حياة الانزواء والهدوء؛ ولم يمض غير قليل حتى وقعت الكارثة الحاسمة وهزم نابليون في واترلو وحمل إلى منفاه في

<<  <  ج:
ص:  >  >>