للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأسلمني الزمان إلى عهد الشباب بنداءاته وهزاته، وأقبلت الدنيا بإعراسها واحتوائها ومباهجها ومفاتنها تتحبب وتغازل وتغنى للثمرة الناضجة. . واستيقظت الشياطين والملائكة للمعركة التي رسمت خططها واحتلت لها الأمكنة في قلب الجنين، وحامت الحمامات والفراشات البيض، والأغربة والخفافيش السود، فتغيرت نبضات القلب وسمعت منه أصوات لا عهد لها ولا تاريخ. . وقال الجسد: هاأنذا. . . وقالت النفس: وها أنذي. . . وقالت الحياة: دونكما. . .

ووقفت أنا. . . أرى المعركة وأتفرس في القتلى والمصروعين بدهشة وأسف ولذة وعجب إلى يومي هذا، وهكذا يدور الصراع والقبر الموعد. . .

وارتسمت البشرية بعلومها وآدابها كلماتٍ على ذلك العرض الأبيض الذي في رأسي: فألف وياء، وواحد وألف، وأرض وبحر وسماء، ومادة وقوة، ومثلث ودائرة، وزنوج أفريقية وبيض أوروبا، وبوذا وفينوس، والجمل وزبلن، والسلحفاة والطيارة والراديو، والقبر والقصر، والحق والواجب. . وقيل وقالوا. . . ولست أدري بعد ذلك: أهو قبض على ريح.؟. أو إمساك على ماء؟! أو سراب على سبسب؟!

أيها الدهر الذي صحبته ولبسته ذرة صغيرة إلى أن صرت كوناً فيه قلب وعقل! هاأنذا كواقف في صحراء تلتقي بها على مدى بصره آفاق السماء، إذا تلفت وراءه وجد إبهاماً وغموضاً وإذا تطلع أمامه وجد إبهاماً وغموضاً. . .

وددت لو أني كنت الرجل الأول لأشهد نشأة الإنسان والرجل الأخير لأشهد فناء الإنسان. . . الإنسان الواحد الهائل الذي يتمثل في هذه الأشخاص التي تمتلئ بها الأرض وتفرغ منها كل لحظة. . . الإنسان الذي وقع عليه كل الضوء وكل الظلام. . . وددت هذا لأعرف! ولكن ليس لي متقدم عن زماني هذا ولا متأخر.

يا لبنات الجسد. . . يا قلبي الذي لم أره ولن أراه. . يا أعضائي وأجزائي التي تجمعت لأكون. . .

يا ناصيتي وقدمي، وأهابي وفؤادي وظاهري وباطني. . .!

أما سئمتن الألفة تحت هذا الرباط الضاغط، فترون الفكاك والانطلاق؟

إني اشعر أن حملتكن إصراً، وأرهقتكن من أمري عسراً، وآذيتكن من جوار روحي: بيت

<<  <  ج:
ص:  >  >>