للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خطباء يدعونهم إلى الألفة واجتماع الشمل؛ هذا إلى أن أصحاب علي قد خذلوا خليفتهم، وتقاعسوا عن نصرته، فاضطر إلى أن يرقى ذرا المنابر. وأن يرسل فيهم الصيحة تلو الصيحة يحرضهم على مناجزة أعدائه. وللإمام وأنصاره خطب كثيرة في هذا الغرض.

على أن معاوية كان يلجأ إلى الخطابة الصامتة: فما كان عليه إلا أن يعلق على المنبر أصابع زوج عثمان التي قطعت في الدفاع عنه، وقميص عثمان، فيغنيه هذا عن تدبيج القول وإطالة الحديث؛ إذ يجد من حوله ينادون: هيا إلى الأخذ بالثأر، هيا إلى الحرب والقتال؛ وقد يكون السبب مزيجاً من ذلك كله.

- ٣ -

لم يكن لعلي بد من أن يخلق في أنصاره الروح المعنوية، وأن يبرر لهم موقفهم من حرب قومهم وإخوانهم، وأن يملأ قلوبهم بالحماسة والبسالة، ويوغر صدورهم ضد عدوه معاوية ومن معه، فأحياناً يلجأ إلى العاطفة الدينية يثيرها فيظهر عداءه في مظهر المارقين عن الدين، والهادمين لأسسه ومبادئه، هذا الدين الذي كان أجل ما يعتزون به ويحاربون في سبيله، فيقول علي في خطبة: (وأيم الله ما وتر قوم قط لشيء أشد عليهم من أن يوتروا دينهم، وأن هؤلاء القوم لا يقاتلونكم إلا عن دينكم؛ ليميتوا السنة، ويحيوا البدعة، ويعيدوكم في ضلالة قد أخرجكم الله عز وجلّ منها بحسن البصيرة؛ فطيبوا عباد الله أنفساً بدمائكم دون دينكم، فإن ثوابكم على الله، والله عنده جنات النعيم؛ وأن الفرار من الزحف فيه السلب للعز، ومغلبة على الفيء، وذل المحيا والممات، وعاب الدنيا والآخرة، وسخط الله وأليم عقابه)

وهذه الفكرة قد تكررت في اكثر خطب علي لتتأكد في نفس أصحابه؛ ولتصبح عقيدة إلى جانب عقيدتهم، تدفعهم إلى حرب قومهم وبني ملتهم.

وأحيانا يثير فيهم الأنانية، فيبين لهم سوء المغبة إذا أنتصر معاوية عليهم، ويحدثهم عما سوف ينالهم على يده من الذل والهوان، فيقول: (أما والله لئن ظهروا عليكم بعدي، لتجدنهم أرباب سوء، كأنهم والله عن قريب قد شاركوكم في بلادكم. . . وكأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب، لا تأخذون لله حقاً، ولا تمنعون له حرمة، وكأني أنظر إليهم، يحرمونكم ويحجبونكم، ويدنون الناس دونكم). واحسب أن المرء حين يغرس في نفسه أنه إنما يدافع

<<  <  ج:
ص:  >  >>