للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جلالة الملك فاروق الأول]

اجتمع لجلالة الفاروق أعز الله نصره ما لم يجتمع لملك قبله من المزايا والخصائص فأحببناه أكثر من أخ، وأجللناه أكثر من ملك: شباب كمنضور الربيع كله حياة وجمال وخصب، وخلق كعَبْهريِّ النسيم فيه الرَّوْح والريحان واللطف؛ ونشأة كنشأة الأخيار المصطفَيْنَ أقامها الله على أدب الدين وخلال الفتوة؛ وجاذبية كشعاع الروح الإلهي تجذب القلوب الصاغية بالهيام والحب؛ وشخصية على طراءة السن تبهر العيون بالجلالة وتملأ الصدور بالهيبة؛ وديمقراطية على عزة الملك كرحمة الله تُقر في الأذهان معنى السمو وسر العظمة؛ وعهد كإشراق الشمس قبله السرى المجهد والغسق الداجي، وبعده الصباح المسفر والضحى الماتع؛ وتاج كدارة النور أو هالة القدس حلاه (مينا) بالشمس وزينه (المعز) بالقمر، فهو يتألق على جباه العصور بالقمرين لا بماس الأرض ولا بلؤلؤ البحرين؛ وببعض هذه الخصائص والمزايا قدس الشعوب الملوك في الأمس البعيد، وفضل الناس الملكية في اليوم الحاضر

مَن مثل فاروق جمع أطراف المجد فورث ملك الفراعنة وخلافة الإسلام وسلطان العرب، فكان رمزاً لأول حضارة مدنت الإنسان، وأقوم رسالة هذبت الحياة، وأعدل أمة حكمت الأرض؟ أليس هذا التاج المعنوي الذي يضعه الشعب على مفرقه يوم الخميس المقبل خليقاً بأن يسامي أضخم التيجان ملكا وأرفعها مكانة؟ وهل يغض من خطر التاج أن انحسرت ظلال ملكه بعد أن ورفت على أكثر بقاع الكون؟ إن قيمة التاج في خلوص جوهره وأثالة مجده وسطوع تاريخه؛ وهذا التاج الذي له ملك مصر وهذه الملايين العرب والمسلمون ينظرون إليه نظرهم إلى الشعاع الهادي والأمل الباسم، هو من هذه الصفات الثلاث أعظم تاج على جبين ملك

لا جرم أن فاروقاً الأول هو أول ملك في تاريخ مصر القديم والحديث

نَشَّأته الأمة على طبعها وحسها، وأعدته لعرشها بنفسها، وتوجته

بطوعها ورضاها هذا التتويج الدستوري الشعبي الحر، ففتحت به عهداً

لم يسبق، وسنت به سنة لم تكن، وفصلت بالفاروق بين ماض كليل

بغى فيه الاحتلال على سيادتها واستقلالها، واعتدت فيه (الامتيازات)

<<  <  ج:
ص:  >  >>