للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لمناسبة تتويج الفاروق]

خواطر تاريخية ودستورية

عن رسوم التتويج والتولية

للأستاذ محمد عبد الله عنان

تستقبل مصر بعد يومين حادثاً من أعظم الحوادث في تاريخها الحديث هو الاحتفال (بتتويج) جلالة مليكها فاروق الأول، أو بالحري ببلوغ المليك رشده الدستوري وتوليه مقاليد الشئون. وافتتاح عهده السعيد في ظل الاستقلال والحريات الدستورية؛ ويلاحظ أن هذا الحادث الذي هو الأول من نوعه في تاريخنا الحديث. سوف ينشئ سابقة دستورية ينسج على منوالها، وسف يكون هو الحجر الأول في صرح تقاليد الملوكية المصرية الدستورية

ولقد كان للملوكية المصرية في عصور الاستقلال والمجد رسوم وتقاليد مؤثلة؛ وكانت رسوم البيعة والتولية من أعظمها وأعرقها، وكانت تتشح بألوان ساحرة من الفخامة والبهاء، وتعتبر من الحوادث القومية الجليلة؛ ولو لم تنكب مصر بمحنة الفتح العثماني في سنة ١٥١٧، وينهار بذلك صرح استقلالها وملوكيتها التالدة، لكان عرش مصر اليوم أقدم عروش العالم وأعرقها

فالحادث العظيم الذي تستقبله مصر في الغد يعتبر من الوجهة التاريخية ذا أهمية خاصة في تاريخها: أولاً لأنه يصل ماضي الملوكية المصرية المستقلة بحاضرها بعد أن انقطع سيرها زهاء أربعة قرون؛ وثانياً لأنه يفتتح عهد الملوكية الدستورية في عصر الاستقلال؛ وهذا المعنى التاريخي المزدوج هو الذي يسبغ على تتويج مليك مصر الشاب خطورة قومية ودستورية ذات شأن

وسوف تتخذ إجراءات التتويج هنا صفة رمزية معنوية، فليس هناك تتويج بالمعنى الحقيقي، وليس لمصر الحديثة تاج موروث أو آلات وأزياء ملوكية خاصة يتقلدها المليك عند توليته؛ وإنما هنالك إجراء دستوري خطير هو في الواقع أسمى مظهر يبدو به الملك الدستوري لأمته، وأقدس عهد يقطعه لها حين تقلده لأمورها؛ وهذا الإجراء هو أداء الملك

<<  <  ج:
ص:  >  >>