للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حديثه وقال: (إنني أجهل يا سيدي السلطان ما كان من هذا القنصل. ولكني أؤكد براءة دولتي وصفاء مودتها لكم. فإذا كان عندكم ما يدل على كذب قولي فأنا مستعد أن أرهن حياتي على صدق ما أقول. وأما إذا كان القنصل قد أضر بمولاي بجهله وغباوته، ولا أستطيع أن أسلم بأنه يقصد إلى ذلك قصدا، فإن حكومة بلادي كفيلة بعقابه على جرمه الشنيع؛ فأسلمه لي لأعود به إلى بلادي ليلقى بها جزاءه بعد تحقيق دقيق. وسيلقى من الجزاء ما يعلن للعالم كله صدق مودتنا لكم وتعلقنا بكم) ثم قام السفير ووضع بيده غلا حول عنق القنصل المتهم. ولما انتهت المقابلة عاد السفير راكباً واقتيد القنصل سائرا على قدميه حتى وصل إلى البيت الذي كان السفير نازلا فيه.

وفي هذه المقابلة تناول الحديث موضوع الجزية المفروضة على قبرص وكانت البندقية تدفع تلك الجزية كل سنة لمصر.

وتعددت المقابلات بعد ذلك وكانت مقابلات خاصة بلغ عددها سبعا، وفي المرة الأخيرة أستأذن السفير السلطان في السفر فأذن له وخلع عليه خلعة من القطيفة المحلاة بالفراء حول رقبتها.

وكان نجاح ذلك السفير في هذه المفاوضات عظيما فأنه استطاع أن يحصل لدولته على معاهدة صداقة صريحة جدد بها عهود المودة الأولى.

وهكذا بقيت مصر مركزا عظيما للتوازن السياسي والاقتصادي بين الدول يقصدها الجميع ويتقرب إليها الجميع إلى أن أراد الله أن تفجعها دولة شرقية في استقلالها وعظمتها - تلك الدولة التي كانت مدينة لمصر أكبر دين في نشأتها وتقدمها - وهي الدولة العثمانية التي لولا حماية مصر لها في نشأتها ووقفاتها الكريمة في الدفاع عن المدنية الإسلامية أمام هجمات تيمور لما كان لها في العالم وجود.

ولكن إذا كان القضاء قد قدر لها أن تفقد استقلالها عند ذلك فقد شاء كذلك أن يعود لها ذلك الاستقلال عزيزا مجيدا لنعيد إن شاء الله سيرة عظمتها ولتستأنف قصتها في القيام برسالة المدنية والسلام في العالم الجديد.

محمد فريد أبو حديد

<<  <  ج:
ص:  >  >>