للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عنصر حياة مذهبكم هو التناسخ، فما هو ذلك الكائن الذي يتناسخ؟ فإن قلتم: إنه الجسم فلا يمكن أن يتناسخ جسم في جسم، لأنه يلزم عليه أن يتضخم هذا الكائن إلى ما لانهاية، أو أن يهذب منه شيء ويحل محله شيء آخر، فيترتب على ذلك تشويش في النظام لا حد له، إذ يعاقب البريء على جريمة الآثم، ويثاب المجرم على براءة البريء، وهذا لا يقبله عقل؛ وإن قلتم: إن ما يتناسخ هو شيء غير الجسد، قلنا لكم: ما المانع من أن يكون هو النفس؟ غير أن البوذية تنفلت من هذا الجواب كما شأنها كلما أحرجت بأسئلة ما وراء الطبيعة وتقول: إن هذا السؤال غير مفيد، لأن جوابه غير محدود مادامت عناصر الشخص بعد موته ليست عينه تماماً وليست غيره تماماً، وإنما هي مزيج من العينية والغيرية معاً

مصير البوذية

حينما نشأت البوذية كانت البراهمية قد خَلِقَتْ بعض الشيء، فاستطاعت تلك الديانة الناشئة أن تهزمها وتحصرها في أمكنة معينة من بلاد الهند، ولكن البراهمية لم تلبث أن استردت قوتها وحملت على البوذية حملة عنيفة أجلتها بها عن أكثر البلاد الهندية، حتى إذا فتح الإسلام الهند أجهز على البقية الباقية منها، ولكن هذه الديانة حينما أجلتها البراهمية في القرون الأولى للميلاد المسيحي لم تكن قد انعدمت من الوجود، وإنما كانت قد تفرقت شمالاً وجنوباً إلى الصين واليابان وجاوة وسومطرة، وظلت هاك حيث التقت بالإسلام فصدمها خصوصاً في جاوة وسومطرة صدمة قاسية لم تقو بعدها على المناهضة والغلاب فتخلت له عن الميدان معترفة بأن البقاء للأصلح، سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا

ولكن ليس معنى هذا أن البوذية قد انمحت من سجل الكون، كلا فهي لا تزال تحتل قلوب الملايين من بني البشر وإن كانت قد تبدلت تماماً وخضعت لأهواء الشعوب التي اعتنقتها وانهزمت أمام عاداتها وتقاليدها انهزاماً جعلها أثراً بعد عين. فبعض الشعوب مثلا أدخل فيها عبادة النساء، والبعض الآخر أدخل عبادة الفيلة محتجاً بأن بوذا قد تقمص أجسادها مرات متعددة، والبعض الثالث جعل من شعائرها أن يباح للكهنة والقديسين كل موبقة مهما بلغت فداحة ما فيها من عهر ومجون مادام هذا الكاهن يدعي أنه لا يحس أثناء هذا الفجور بسرور إلى غير ذلك مما لم يخطر لبوذا ولا لتلاميذه ولا لأنصاره الأولين ببال

<<  <  ج:
ص:  >  >>