للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لاقتسام الغنائم تناصر الذئاب الجائعة أمام الجيف في أقصى الصحراء، والناس - على رغم هذا - يحملونهم على الأعناق، ويحرقون أمامهم البخور، ويهتفون باسمهم أطراف الليل وأناء النهار

في كل مكان مرجفون يرجفون، ومضللون يكذبون، وغادرون يغدرون، وماكرون يمكرون، وجاهلون يتعالمون، وأغبياء يرتفعون، ومجرمون في ثياب الأقطاب والأولياء، وبين الهتاف والتصفيق يروحون ويجيئون.

والحقيقة في كل هذا تشرد فلا مأوى ولا مصير، والفضيلة تستغيث وتستجير فلا مجير ولا نصير.

أليس في هذا، ما يلهب الحقد والضغينة في صدر الأديب ويحوله إلى طاغية غشوم، يبطش بلا رحمة ولا هوادة، في أهل المجد المزيف المجرم، والجاه الملوث الكاذب؟

في كل مكان أمة تصنع لقمتها من دمها ودمعها وقطع كبدها ثم ترفعها بيدها المرتعشة المشلولة إلى فمها لتسد رمقها، فإذا اليد القوية تمتد إليها وتتخطفها، وهي على شفتيها، والسوط يهتز في يسراها.

في كل مكان نعاج رواقص على سكينة الجزار، وسياط هاويات على ظهور المستضعفين من العباد، وعذارى يشردن ويبعدن عن أوطان الآباء والأخوة والأمهات، وشذاذ الآفاق يشترون الضمير البشري بالأصفر الرنان، وذئاب (جنيف) تعصف بها غرائز الوحشية والجشع، فتنتشر في بقاع الأرض الآمنة المطمئنة، تثير الفتنة، وتبعث الروع، وتستنزف الدماء، ومن ورائها الخبث الأوربي يحارب في سبيل السلام، ويبغض في سبيل الحب، ويرهب في سبيل التأديب، ويسرق في سبيل الإطعام، ويوقظ الفتنة في سبيل الأمان!

أليس في كل هذا ما يشعل النخوة في رءوسكم، ويحرك المروءة في نفوسكم، ويثير الغيرة في قلوبكم، ويدفعكم إلى إغماد أقلامكم في أفئدة هذه الذئاب، وصوغها أسرّة لهذه العذارى المشردات، وإرسالها سهاماً في صدور الظالمين الطغاة، ورفعها أعلاماً خفاقة للحق والخير والجمال؟

أين أنتم يا أصحاب المشاعر الرهيفة، والقلوب الرقيقة؟ يقولون (الأدب نزيف القلب: طاهرة ورجسة، ونشيد الشعور: نبيلة وخسيسة؛ ومعيار القوة فيه أن ينزف القلب فيتفجر،

<<  <  ج:
ص:  >  >>