للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجورج زيدان، وسليم سركيس وغيرهم؛ وكانت إليهم الزعامة الأدبية في اللغة والأدب الوصفي والتاريخ، أما أدب الإنشاء فكان قسمة بينهم وبين أدباء مصر.

والآن أدع لصديقي الأديب الأستاذ جورج إبراهيم حنا، أن يتحدث عن الرافعي في أول عهده بالشعر؛ قال:

(بدأت صلتي بالمرحوم الرافعي قريباً من سنة ١٩٠٠؛ كنت يومئذ أقول الشعر، وكان اسمي معروفاً لقراء مجلة الثريا، ولم أكن اعرف الرافعي أو اسمع به، وكان لأخيه الوجيه سعيد أفندي الرافعي متجر في شارع الخان بطنطا، يستورد إليه النقل والفواكه الجافة من الشام، وكنت زبونه، فذهبت إليه يوماً أشتري شيئاً من فاكهة الشام، إذ كان له بها شهرة وكان بي إليها شوق؛ فلما صرت إليه، لقيت هناك فتى نحيلاً في العشرين من عمره، يلبس جلباباً، جالساً إلى مكتب في المتجر قريب من الباب، فما رآني الفتى حتى ناداني ودعاني إلى الجلوس، ثم قال لي: أتعرف أني شاعر؟ قلت: لا؛ لست أعرف. قال: أنا مصطفى صادق الرافعي، وهذه الكراسات كلها من شعري. وعرض علي بضعة دفاتر كانت على المكتب، ثم استأنف قائلاً: ولكنه شعر الحداثة فهو لا يعجبني؛ سأختار أجوده وأمزق الباقي، وسأطبع ديواني بعد قليل فتعرفني. . .!) قال: (وعرفت الرافعي من يومئذ، وقويت بيننا الصلة حتى صرت أدنى أصدقائه إليه: يقرأ على شعره، ويستمع إلى رأيي فيه، ويستشيرني في أمره. وقد كان أوله كآخره، فما لبثت حتى أعجبت به وأحللته من نفسي أرفع محل من الحب والتقدير).

ظل الرافعي يقول الشعر لنفسه، أو ينشر منه في المجلات الأدبية، أو يقرؤه على أصدقائه. وأصدقاؤه يومئذ صفوة من شباب السوريين في طنطا: منهم الأديب جورج ابراهيم، والصيدلي غلياس عجان، والطبيب تُودرى، وكانوا يتخذون مجلسهم عادة في وقت الفراغ، في صيدلية (كوكب الشرق) بطنطا.

فلما كانت سنة ١٩٠٣، وعمر الرافعي يومئذ ثلاث وعشرون سنة، نشر حافظ بك إبراهيم ديوانه، وقدم له بمقدمة بليغة كانت حديث الأدباء في حينها وطال الجدل حتى نسبها بعضهم إلى المويلحي. واستقبل الأدباء ديوان حافظ ومقدمة ديوانه استقبالاً رائعاً. وعقدوا له أكاليل الثناء. والرافعي غيور شموس، فما هو إلا أن رأى ما رأى، فعقد العزم على إصدار الجزء

<<  <  ج:
ص:  >  >>