للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وربما كان معتمداً على فهم القارئ واستنتاجه فإن الباحث إذا رجع إلى الأحداث التاريخية قبل سنة ٦٩ يجد أنها بدأت في مقتل عثمان وثنت بوقعة الجمل وحروب صفين، وناهيك بمفعول هذه الأحداث وعظيم أثرها على الفطرة العربية والإيمان المتغلغل، فكان أن تمخضت عن خروج الخوارج المتصلبين في نظرياتهم الدينية والذين لم يكتف بعضهم بتخطئة علي ومعاوية وأصحابهما بل يريدون من الناس أن يحكموا بكفرهم وكفر من ناصرهما. وهذه الأحداث هي التي كونت نظريتهم في تكفير مرتكب الكبيرة وهي كما ترى عين نظرية المعاصي المبحوث عنها غير أنها توسعت بنسبة هذه المعاصي إلى الله.

وهنا يجد السؤال: كيف ومتى توسعت نظرية تكفير ذوي المعاصي فشملت إضافة هذه معاصي العباد إلى الله تعالى؟ وبتعبير أوضح كيف تطور الموضوع من إيجابي لدى فريق إلى سلبي لدى فريق آخر، ومن تكفير مطلق إلى تبرئة مطلقة، في حين أن طبائع الجماعات والأحزاب المتطاحنة تسترسل بالطعن بعضها في بعض بإصرار وشدة. وإن رأت الاعتدال فإنما يكون بالإعراض والإغفال لا في التبرئة، فإن من المعلوم أن نسبة عصيان العبد إلى ربه تستلزم نقض ذلك التكفير وتخفيف وطأته، وذلك يستحيل تحقيقه عقيب تلك الأحداث الدموية أي عقيب سنة ٤٠، نعم يمكن أن يتكون من إصرار الخوارج على التكفير ومن حركاتهم الطفيفة ضد معاوية والعنيفة ضد ابن الزبير، ومن تفاقمها ضد عبد الملك وعامله الحجاج يمكن أن يتكون من جميع ذلك عوامل لتهيئة نفسية الأمة في تكوين جماعة ذات رأي في تبرئة الصحابة بقصد مناضلة الخوارج، والوقوف ضد تيارهم كما أن الأحداث التي قام بها يزيد بن معاوية والتي فتنت الناس في دينهم ولطخت ثيابهم بدم الحسين وبدماء أهل المدينة، وأيضاً حصار مكة المكرمة من قبل الحجاج لا بد أنها ولدت في نفوس الناس الشك والحيرة في العاقبة وسوء المنقلب، فمن الجائز أنهم لجئوا إلى وسيلة تبرئة الصحابة والتابعين كيما يحصلوا هم على هذه التبرئة ضمناً فنسبوا معاصي العباد إلى الله. ونحن نرى أن نشوء فئة تبرئ الأحزاب وتصحح أعمالها وأغلاطها لا يحصل عادة إلا بعد استقرار الوضع السياسي واطمئنان النفوس، وأيضاً بمعونة جيل جديد ينضم إلى بقايا تلك الأحزاب؛ فمن هذا النشء الجديد ومن أولئك البقية الذين كانوا شباناً عند تلك الحروب والفتن الداخلية التي انغمسوا فيها مسبوقين غير مختارين؛ فمن هؤلاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>