للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولقد كان الصينيون ولا يزالون إلى اليوم يؤمنون بأن هناك أرواحاً موكلة بالمطر، وأخرى بالجفاف، وثالثة بالإنبات، وغير ذلك، وأن هناك أرواحاً خاصة لحماية المنازل ورعاية أفراد الأسر.

كان هذان النوعان الـ (كُوِي - شين) إذن هما اللذين يحكمان الكون، ويسيران كل حركاته. ولهذا كان من الطبيعي أن تنحصر تفكيرات أفراد الشعب وحكامه ومشاغل قلوبهم في البحث عن نيات هذه الأرواح ومقاصدها، وما يرضيها، وما يغضبها، لكي يعمل كل فرد من أفراد الأمة حاكماً كان أو محكوماً على اجتذاب رضى هذه الأرواح، وجلب خيرها ودفع شرها. وكانت هناك وسائل كثيرة تستعمل للحصول على هذه الغاية مثل السحر والرقى واستنطاق الوحي على لسان رجال الدين

تمتاز العقيدة الصينية القديمة عن عقائد الشعوب الأخرى بالمغالاة في تقديس الأجداد إلى حد لم يعرف له نظير عند الأمم الغابرة، ففي الماضي قدموا عبادتها على عبادة أرواح السماء، وقد حافظوا على هذا التقديم من أي تغير طوال هذه العصور السحيقة، ولا يزالون إلى هذا العصر يشعرون الباحث في معتقداتهم بنفس هذا الشعور الذي يذكرنا بطفولة الإنسانية، ولكن لعل هذا النوع من العبادة قد بقي إلى الآن، لأنه يحمل في ثناياه مبادئ أخلاقية سامية تدفع الأبناء إلى احترام الآباء في حياتهم وبعد مماتهم وليس بغريب عن الصينيين أن يكون أثبت العقائد عندهم هو ما يمت بصلة إلى الأخلاق كما أشرنا إلى ذلك في الفصل الماضي

هناك ناحية أخرى قد تميز الشعب الصيني عن غيره، وهي الإغراق في تقديس الأرض وعبادتها حتى كانوا يطلقون عليها اسم: (القوة المحسنة التي تتسم البذور لتردها ثماراً مضاعفة) ولا ريب أن السبب في هذا هو أن الشعب الصيني كان شعباً زراعياً يضع الاستغلال والاستنبات في المنزلة الأولى في الحياة.

عقيدة الخاصة أو عبادة السماء

بقدر ما كان العامة يقدسون الأرض لما تفيضه عليهم من نعمة الخصوبة ووفرة الإنبات، كان الخاصة يعبدون السماء لما يرونه بعين الفكر كامناً فيها من قوة معنوية لها كل السلطان على الأرض وما فيها، وهكذا ظهر الفرق منذ أقدم العصور واضحاً بين عقيدة العامة

<<  <  ج:
ص:  >  >>