للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأن الأرض وجميع ما عليها من خصوبة وتناسل ومظاهر أخرى ليست إلا رمزاً تمثيلياً من رموز السماء. وقد كانت الأرض هي الرمز النسوي للسماء لما يظهر على سطحها من خصوبة ونباتات؛ ولكن ليس معنى هذا أن خاصة الصينيين كانوا يعتقدون - كما اعتقدت بعض الشعوب الأخرى القديمة - بأن الكائنات تناسلت من زواج السماء مع الأرض، كلا. وإنما كانوا يعتقدون بالوحدة المطلقة وبأن الأرض ليست إلا مظهراً للسماء بحيث يستحيل تصور فصلها عنها كما تستحيل تثنيتهما في الحقيقة، لأن كل واحدة منهما هي الأخرى، وهي أصل جميع الكائنات في نفس الوقت. ولئن وجدنا في كتاب (إِي - كينج) أن عناصر الوجود الإيجابية مستقرة في السماء وعناصره السلبية موجودة في الأرض مثلاً، وأن الأرض تدعى بالأميرة المخصبة، فليس معنى هذا هو التثنية الحقيقية، وإنما هي رموز لا أكثر ولا أقل

وهكذا نتلاقى عند هذه النقطة من الفلسفة الصينية بوحدة الوجود سافرة جلية بعد أن قصرها أولئك المتفيقهون على العقلية الآرية وجزموا بأنها برهان السمو الفكري. وليست هذه الوحدة موجودة في الفلسفة الصينية بهيئة غامضة، أو قابلة للفرض والتخمين، كلا، بل إنهم يصرحون بأن كل كائن من الكائنات الموجودة حية كانت أو جامدة إنما هو نتيجة لإحدى حركات الوحدة المطلقة، وأن جميع الحوادث الكونية ليست ناشئة إلا عن تغير المظاهر الطبيعية، وأن هذه الوحدة هي المنشأ والمرد لجميع الموجودات بغير استثناء. غير أن هذا التأثير لا يتجه من الوحدة إلى الكثرة الناشئة عنها بطريقة مباشرة، وإنما يتجه إليها بوساطة قوى هي كذلك ناشئة عن تلك الوحدة، وعلى هذا النحو تحدث الموجودات. فمثلاً الرعد يحدث الحركات الأبدية التي تجذب أحد الضروريين إلى الآخر، والهواء يحدث فرقتهما وكذلك المطر يحدث الخصوبة، والشمس تحدث الحرارة، والجبال تحقق السكون، والماء يحدث السرور؛ وهكذا تحدث القوة الطبيعية وحدها بعض الحوادث حيناً، وتتكاتف مع إحدى القوات الأخرى إحداث البعض حيناً آخر، وتتضارب مع قوة ثالثة إما للإحداث أو للكف عنه حيناً ثالثاً، وبناء على ذلك كله فليس للعالم عند الصينيين منشئ أجنبي عنه، وإنما المنشئ هو عين المنشأ، كما هي الحال عند الهنود وعند الرواقيين مع الاحتفاظ بالفروق الدقيقة المميزة لكل واحدة من هذه الفلسفات

<<  <  ج:
ص:  >  >>