للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد اطلعت على سري وإعلاني ... فاذهب لشانك ليس الجهل من شاني

وإن مصرياً يجهد أن ينسلخ من عربيته لطالب في الدنيا محالا، ولن يكون مرغبه إلا من بعد أن يفارق نحلته، وينسى لغته، ويضمحل أدبه، ويفنى مجده في ثلاثة عشر قرناً، ويمحى حسبه، فكون مراده إنما هو بعدمه، ولن يكون هذا إلا ألا يكون هو

ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار

وإذا ذكرنا العربية فإنما نعني هذه العبقرية ذات التعاجيب المحمدية، وهذه القوة الخلقية، وهذه المقاصد القرآنية، وهذه الآداب الإلهية، وتلك الحضارة والمدنية

هذه هي العربية، وإن أظل وهن، وإن جاء ضيم، فالقوة في النفوس ما بدت، والعزة في غد (إن مع اليوم غداً يا مسعدة) وإن درج أهلها الأولون أنشد المصريون المنشدون:

فان يك سيار بن مُكرم انقضى ... فانك ماء الورد إن ذهب الورد

وإن قال عربي منتم إلى العربية، ما معه من العربية شيء: لست بعربي، فليس لمصري أن يقول مقاله، ويضل ضلاله؛ إن المصري هو وارث ذاك المجد، والمصرية هي وارثة العربية. وإن لم يكن المصري هو العربي، فليت شعري من يكون العربي؟ وإن لم تكن مصر دار العربية، فأين - يا قوم - في الدنيا دارها؟

وإن قال زنيم نيط بالمصرية: لست في شيء من العربية، قالت له المصرية: ولست في شيء من المصرية. أنكر العربية فأنكرته المصرية

وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

إذا لم يكن المصري هو العربي كل العربي فهل العربي هو المغربي أو العراقي أو الشامي أو الحجازي أو النجدي أو اليماني أو الحضرمي أو العماني أو ذلك البدوي، ذلك الأعرابي

هل ذهب كل هؤلاء بمنقبة العربية وقعد المصري حجرة العربية حجر عليه. . .؟؟!!

إن العربية لن تنكر بنيها كبروا أو حقروا، نأوا في الدار أو قربوا، قل عديدهم أو كثروا، فكل أولئك بنوها، ولكن يحزنها ويغضبها عقوق في بنيها، وأقرب الأبناء إلى أمهم ابن في الدنيا بر. وهل رأت العربية في حين أبر بها من مصر؟

وليست العربية بالعزوة، ليست العربية نسبة، ولكنها عقيدة ونحلة وملة، ولكنها خليقة وأدب ولغة

<<  <  ج:
ص:  >  >>