للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تستطيع بفضل جدها واقتصادها أن تجمع من المال ما يكفي لإرسال دييجو إلى أمريكا. إذ لا بد للفتى من فرصة كي ينشد حظه من جديد. أما ها هنا في إيطاليا فقد سدت في وجهه السبل، وهذه البطالة التي اكره عليها إكراهاً توشك أن تأكل روحه وتقضي عليها. أمريكا إذن.

إن أمريكا هي وحدها المكان الصالح له، فلا بد من إرساله إلى أمريكا ولو كان في هذا موتها وفناؤها. لا بد أن يفتح لولدها باب الحظ. . . ولدها هي. . . ذلك الفتى الكريم. . لله ما أطيبه! وما أجمله، بل وما أقدره وما أذكاه! ألم يكن من قبل قادراً على الكتابة والتحرير. حتى لقد نشرت له الصحف بعض ما كتب؟ ثم ما جرمه الذي اجترم، وما ذنبه الذي اقترف؟ لم يكن الأمر سوى ضرب من عبث الشباب، والذنب فيه راجع إلى لأولئك الرفقاء الأشرار، وإلى ذلك الروسي أو البولندي، أيا كان وأيا كانت جنسيته. . ذلك الأجنبي القذر، ذلك السكير المهين، الذي جاء إلى روما لكي يسوق أبناء الأسر الشريفة المبجلة إلى الدمار والعار، فوا أسفاه على أولئك الفتيان البله، كيف ضاع رشادهم، وضلوا عن طريق الصواب، إذ دعاهم ذلك الأجنبي الكثير المال إلى منزله، فطاشت أحلامهم ما بين كؤوس الخمر والنساء وضروب اللهو. . ويصل ذلك الروسي المقامر على أن يأتي بالورق ويلح عليهم أن يلاعبوه، اجل كان يلح عليهم إلحاحا. ولئن كان قد خسر نقوده. فذلك جزاؤه على إصراره وعناده. لكنه بعد هذا يذهب ويا للعار! فيتهم أصدقاؤه بالغش والتزوير. ثم يسعى في مقاضاتهم لكي يجلب إليهم الدمار مدى الدهر. . سمعت الأم صوتاً كأنه صوت بكاء مكتوم ينبعث من حجرة ابنها، فنادته: (دييجو!) فلم يرد جواباً. أنصتت مرة أخرى، وألصقت إذنها بالباب، انه مستيقظ، فما عساه يصنع الآن. انحنت ونظرت من ثقب المفتاح. . رحماك اللهم! انه يقرأ. . عاد إلى مطالعة تلك الصحف الكريهة التي اشتملت على تفاصيل المحاكمة، فلماذا. . لماذا يريد أن يعود إلى قراءتها. . وفي هذه الساعة من الليل؟ ونادته بصوت عال: (دييجو!) ثم فتحت الباب فالتفت أليها، وهو يثب فزعاً. وقال: (ما الخطب يا أم، ما بالك لم تأوي إلى فراشك!) قالت: (وأنت، ما بالك لم ترقد في فراشك بعد؟) فتكلف الابتسام وجعل يمد ذراعيه. (أنا؟ إني أتسلى قليلاً) فقالت العجوز وهي تعصر يديها عصراً: (دييجو! دييجو! احرق هذه الأوراق! استحلفك أن تحرقها. . لماذا تريد أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>