للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال:

(إن هذا الوهم الذي تمكن منك بسيط، فأنت تعتقد حين يردد ذكر الموت على خاطرك أن ذكره لا يرتفع من وهمك، وتتصور العجز، ومن تصور حالة من الأحوال النفسية واعتقد أنه فيها، فهو فيها لا محالة؛ وكذلك من يتصور أنه مريض اعتقاداً جازماً، فأنه يمريض)

قلت: فما الحل إذن؟

فقال:

(إن أبسط الوسائل للتخلص من هذه الأحوال النفسية هو الرجوع إلى العقل). فلو فكر المرء واستعمل عقله استعمالا صحيحاً في هذه القضية، فإن الرهبة والجزع من الموت لا يزولان منه فحسب، بل يرى فيهما مثالاً من أمثلة السخف تدعو إلى الرثاء.

(إن الخوف من الموت بالطبع يستلزم وجود الألم. أي أن الإنسان لا يخشى الموت إلا لأنه يتصور أن فيه ألماً جسمياً أو روحياً؛ وقليل من التروي يؤدي إلى سخافة هذا الرأي، فإن حالة الموت لا تكون إلا إذا انتفت الحياة الشاعرة، أو القدرة على إدراك الألم في الإنسان. أي أن الإنسان لا يموت إلا وهو مائت، ولا يشعر بألم الموت لأنه لا يشعر بالألم إلا الجسم الحي. ومادام الجسم حياً فهو غير ميت طبعاً، وإذا مات فإنه لا يشعر، وفي كلتا الحالتين ليس هنالك ألم ولا موضوع للألم يخشاه الإنسان

(هذا إذا كان أساس الخوف هو تصور وجود الألم، أما إذا كان أساسه الفزع من فقدان الحياة، فإن الأمر أدعى إلى الرثاء! فإن الذي يخشى أن يفقد شيئاً يحبه أحرى به أن لا يفكر في فقدانه، فالتفكير في ذلك مدعاة إلى تشويه حسن ذلك الشيء، وهؤلاء السوداويون الذين يدعون حب الحياة وهم يفكرون دوماً أن هذه الحياة زائلة وأنهم فاقدوها لا محالة مخطئون ولا شك، وأحرى بالمرء أن يعيش كما جاء إلى الدنيا، فلا يسأل ولا يضع موضوعاً للتسآل أمام عينيه، فإنه سيموت قبل أن يصل إلى جواب)

وقد جرني التفكير فيما يجري في هذا السبيل إلى التفكير في (الخلود) ضد الموت وعدوه، فالمرء بطبيعة الحال يخشى الموت ولا يرغب فيه، وهو بذلك كأنه يريد الخلود، فما هو الخلود يا ترى؟ وكيف يرى الحياة مخلوق خالد، لو أمكن تصوره؟

وقد قرأت كثيراً في كتب الأدب عن الفكرة التي تمثل للأديب في صدد الخلود، والحياة

<<  <  ج:
ص:  >  >>