للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من التاريخ الإسلامي]

(٤)

محمد بن القاسم الثقفي

٧٣ - ٩٦هـ

للأستاذ عبد الحميد العبادي

لو أن من يدرس تاريخ الأمة العربية فتش في ثنايا هذا التاريخ عن شخصية تتمثل فيها سجايا تلك الأمة الكبيرة وعناصر قوتها لما وجد أجمع لتلك السجايا وهذه العناصر من شخصية الفتى الشهيد والفاتح العظيم، والشاعر الحساس، محمد بن القاسم الثقفي الذي شرع في غزو السند في السابعة عشرة من عمره وأتمه لما يتجاوز الثالثة والعشرين فأدخل بذلك في الهند الثقافة الإسلامية التي يدين بها في الوقت الحاضر زهاء ثمانين مليونا من أهلها. أنها شخصية تجمع إلى فتاء السن حنكة الكهولة، وإلى خشونة الجندي رقة الشاعر وإلى الحرص على الدنيا زهد الفيلسوف وطمأنينة الحكيم. . وكل هذه صفات أتصف بها العرب في نهضتهم التاريخية الكبرى التي رجت العالم القديم فنبهته من سباته ورسمت للتاريخ وجرى جديداً! وهو محمد بن القاسم بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي، فهو من ثقيف المشهورة في الجاهلية والإسلام بقوة الدهاء وسعة الحيلة ومضاء العزيمة، ثم هو أبن عم الحجاج أمير العراق ورجل الدولة الإسلامية في الربع الأخير من القرن الأول الهجري. يلتقي نسبهما في الحكم بن أبي عقيل. ولد حوالي سنة ٧٣هـ، ونقع الحوادث مثار وريح الفتن نكباء، والسيوف يتجاوب صليلها في فارس والعراق والحجاز وأفريقيا، فجعل غلامنا يتنفس في جو مكفهر عابس ولقف صناعة الحرب سماعا وعيانا، ثم شاء ربك رحمة منه بالناس أن يكون إلى جانب هذه الحياة القلقة المضطربة الخائفة حياة أخرى آمنة هادئة هي حياة الأدب الذي يتمثل في الشعر الغنائي الرقيق المأثور عن أبي ربيعة وجميل وكثير والنميري وغيرهم من شعراء ذلك الزمان. فعشا نظر الفتى الثقفي الحائر إلى ذلك النور المشرق. فجاءه واهتدى به، وعفت نفسه العطشى إلى ذلك المورد العذب فورده وارتوى منه، وبذلك أعتدل مزاجه، ورقت حواشي نفسه وأصبح وهو في السابعة عشرة من عمره أشرف ثقفي في زمانه كما يقول صاحب الأغاني، وأقبل الحجاج وهو هو في نقد الرجال

<<  <  ج:
ص:  >  >>