للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تاماً

وعنده أن المعرفة الظاهرية رديئة، لأنها لا توصل إلا إلى حقائق نسبية، ومن حيث إن الغاية المقصودة هي الحقيقة المطلقة في ذاتها، فينبغي ألا ننشغل إلا بما يوصل إلى هذه الحقيقة، ولا يوصل إليها إلا الاتحاد التام، والامتزاج الكامل بـ (تاو) ولا يتيسر هذا الامتزاج بالتربية ولا بالتثقيف الظاهري، كلا، فهاتان الوسيلتان معدومتان الفائدة، وإنما هو يتحقق بالعزلة التامة ولذلك فالقديسون الذين يريدون الاتصال بـ (تاو) واتباع الصراط السوي، يجب عليهم أن ينبذوا كل ثقافة وينسحبوا إلى مكان مقفر ويعيشوا كما كان أهل العصور الغابرة يعيشون ممتزجين بالقوة غير المرئية، وهو يصف هذه الحالة فيقول: يكون خائفاً كمن يختلق سيلا في الشتاء، متردداً كمن يخشى أن يراه جيرانه، جدياً كأجنبي في محضر ضائفه، بارداً كالثلج حين يتحلل، جافاً كالخشب الخام، فارغاً كالوادي، وفي العموم أن المثل الأعلى للخيرية في رأي الفيلسوف هو الطفل الذي يولد على الفطرة بريئاً نقياً، وأن الوسائل التي توصل إلى الكمال هي: الحياء والضعف والبساطة و (الؤووي) ومعناه العزلة والتخلي عن كل عمل، وسلوك الصراط السوي

غير أن هذا كله ليس معناه أن (لاهو - تسيه) قد أمر بإهمال المسئولية الاجتماعية، كلا، بل هو قد حض بالعكس على العناية بالجمعية البشرية، وأعلن أن الأنانية وإهمال خدمة العمران من الرذائل الكبرى وقد سبقت تعاليمه الآمرة بالغيرية والمحبة العامة تعاليم المسيحية بنحو ستة قرون، ولم يكن تبشير (لاهو - تسيه) بحب الغير ناشئاً عن عاطفة، وإنما كان منبثقاً من منبع الواجب والالتزام اللذين كانا يملكان عليه تفكيره وحواسه وعنده أن القديس هو الذي يحكم الشعب ويسوسه، ولكن لا بالقوة والقسوة، بل بالمثل الأعلى الذي يقدمه مثبتاً به أنه فوق الطبيعة، وأنه لا يحكم شعبه بالقوانين والعقوبات، ولا يخضع الشعوب الأخرى بالحروب، وإنما يعامل الجميع ببساطة الطفل وطهارته؛ هذا هو وحده الأمير الذي تنتظره الصين وتعول عليه في محنتها

أحسب أنك ترى بعد كل هذا معي ومع الأستاذ (زانكير) أن (لاهو - تسيه) كان فيلسوفاً لا تنزل به عبقريته إلى ما هو أدنى من صفوف أفلاطون والقديس (أوجوستان) و (كانت) وأنه إذا كان قد أخفق أو ضل السبيل في بعض أفكاره، فإن التبعة في ذلك واقعة على

<<  <  ج:
ص:  >  >>