للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التشريع والقضاء في العهد الفرعوني]

للأستاذ عطية مصطفى مشرفة

- ١ -

قبل أن نتكلم عن تاريخ القضاء في مصر، ينبغي أن نمهد بكلمة عامة تتناول حالة المصريين في عصورهم الأولى قبل أن تنشأ فكرة القانون بينهم وقبل أن يخضع نظامهم لقواعد معينة مرتكزة على قوة الدولة تحدد سلوكهم وتنظم ما بينهم وبين غيرهم من علاقات

تدل الآثار المصرية على أن النوع الإنساني قطن مصر منذ أزمان عهيدة، وأثبت أكثر الباحثين في تاريخ الأجناس البشرية أن هذا النوع الإنساني عندما استوطن وادي النيل أخذ في استثمار أرضه، فظهرت الأسرة تبعاً لثبات المعيشة واستقرارها وأصبحت النواة الاجتماعية الأولى للمجتمع المصري. وكانت الأم في الزمن الغابر هي قطب دائرة الأسرة إذ لم يعرف الطفل إلا والدته؛ ثم ظهر الأب وأصبح له السلطة العليا عليها فخضع له جميع أفراد أسرته من زوج وولد ونزيل ورقيق

قامت إذن الحياة الاجتماعية الأولى عند قدماء المصريين كما قامت عند غيرهم من الأمم القديمة على جماعة الأسرة؛ ذلك بأن الإنسان مدني بطبعه ليس في قدرته أن يظل منعزلاً عمن حوله، فهو محتاج دائماً إلى مساعدة غيره له في كل أطوار حياته

فالأسرة إذن هي أول خلية اجتماعية وجدت في الجنس البشري؛ وهذه الوحدة الاجتماعية الأولى اشتملت على جمع من الأفراد ربطتهم عاطفة القرابة وجمعتهم صلة الدم، وكانوا يخضعون خضوعاً تاماً في أموالهم وأرواحهم لرجل فيهم هو أب الأسرة أو جدها؛ فكان هذا الرئيس هو الذي يوفي بعهودها ويطالب بحقوقها ويقضي بين أفرادها، وكانت كلمته فيهم بمثابة فرض يطيعه أفراد أسرته ولو كان ظالماً؛ وكان أفراد الأسرة متضامنين يحافظون على أموال أسرتهم وحقوقها ويحمون أفرادها ويتحملون أعمال كل فرد فيها، فعلى كل منهم تقع مسؤولية أخيه ونتيجة جرمه، لأنهم متضامنون في الشر والخير معاً، فلكل منهم أن يطالب بحق أخيه، وعلى كل منهم أن يأخذ بثأر أخيه

ثم اتسعت دائرة الأسرة على مر الأيام تبعاً لازدياد النسل حتى أصبحت عشيرة تتكون من

<<  <  ج:
ص:  >  >>