للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستطيع أن يبتعد عنها أو أن يمرّ عليه يوم لا يراها فيه؛ وإذا هو لقيها وذهب معها يلعب أو يرعى العنزات أو يسوق البقرة إلى المزرعة أو يملأ الجزّة من العين، إذا كان معها ينسى الدنيا كلّها ولا يفكر في شيء. . .

ذكر حين جاء هذه المنطرة أول مرة مع عمه وابنة عمه ليلى وحين تركه عمه مع ليلى لينزل إلى دمشق، وأوصاه بأن يعتني بها، ويحرس الكرم. . .

- لقد صرت شاباً يا سعد. كن عاقلا وشجاعاً. لا تدع ليلى تنزل في الليل من المنطرة. إذا رأيت وحشاً أو سارقاً فأطلق عليه النار. لا تخف من شيء. . . هذه هي البندقية. . .

وذهب عمه، وهو يتبعه بصره. فلما غاب عن عينيه أحس سعد بأنه غدا منذ تلك اللحظة رجلا، وأنه هو حامي ليلى، وحارس الكرم، وأنه يستطيع أن يطلق النار من البندقية كما كان يفعل عمه تماماً، وتمنى من كل قلبه أن يرى وحشاً أو لصاً ليري ليلى شجاعته ورجولته، ولكنه لم ير شيئاً.

ذكر كيف قضى الليل مع ليلى، وكانت ليلة قمراء رخيّة النسيم لطيفة. فتحدثا وتبادلا النكات، وأحس بلذة لا تشبهها لذة، ولكنه لم يمسها بيده، ولم يذكر لها كلمة الحب لأن الشرف والأمانة كانت شعار الشباب في تلك الأيام، وليلى ابنة عمه وعرضه ائتمنه عمه عليها، والله شاهد عليه. . .

وقفز به الفكر إلى بلده الضمير، وقد كبرت ليلى وحجبت عنه فلم يعد يراها إلا على العين أو في الحقل؛ ولم يكن يمنعه الحجاب من رؤيتها لأنه حجاب شرعي يظهر الوجه والكفين ويستر كل شيء، لا كحجاب المدن الذي يستر الوجه بغشاء رقيق يزيده فتنة وجمالا ثم يكشف العنق والصدر والساق وما فوق الساق، ويظهر الكف والساعد. . . فكان يحدثها ويصحبها في الطريق؛ ولم يكن بينهما سوء، لأنها خطيبته المسماة عليه منذ كانا صغيرين. . . فهي له، ولم يجرؤ شاب في القرية على خطبتها احتراماً لسعد، وخوفاً من بطشه. . .

ومرت في ذهنه صورة العرس وحفلاته، ووفود القرى المجاورة والولائم العامة في الساحات والطرق، و (الدبكات) والأهازيج. . . مرت في ذهنه مراً سريعاً، فأبصرها حية قريبة كأنما كانت أمس، وقد كانت منذ سبع سنين لم ير فيها من زوجته ليلى إلا ما يعجبه يرضيه. ولم تغضبه مرة واحدة. كانت تحيا من أجله، تهيئ له الطعام وترتب الدار،

<<  <  ج:
ص:  >  >>