للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- الرأي أن تلقى ميديا فهي حبيبتك، وإن عندها، فضلا عن ذلك، أم كتاب السحر، ولن تبخل عليك بعلمها مهما كلفها ذلك من حَنَق أبيها، وإغضاب أربابها

لقد كان الليل يضرب على العالم بجرانه، وكانت النجوم تلتهب في فحمته كقلوب المحبين، والفرقدان يتقدان من هول الزيارة المضروبة بين العاشقة المُدَلّهة، والفتى المقاحم ذي الآمال

وأقبل جاسون فوجد العجوز تنتظره عند الباب الخلفي. . . وهمست إليه فسار في إثرها حتى كانا عند منعرج مُسَوّج بنبات ذي عساليج، يؤدي إلى رحبة واسعة ينتشر في أرجائها أرج الورود والرياحين، حتى ليوقظ القلوب النائمة، ويعطرها بفغمة الحب، ويسكرها برحيقه المختوم الذي كله لغو وتأثيم!

وهناك، كانت تنتظره ميديا بنفس غرثى، وقلب ظامئ خَفِق، فلما رأته غمرها إحساس ثائر، واستولت عليها عاطفة صارخة، لم تستطع معها إلا أن تلقي بنفسها على صدره القوي الرحب، تبلله بدموعها. . .

ووقف جاسون ساكناً هادئاً، كأنما كان يوجس خيفة من هذا الحب الذي أقبل فجأة يهاجمه ويَدّارأ عليه، ويدفع بعضه بعضاً من حوله. . . لقد كان قلبه بارداً كالثلج، وذراعاه جامدتين كالرخام. . . وكانت ميديا تبكي وتنثر اللؤلؤ من عينيها المرتجفتين، ولكنه لم يستطع أن يرد تحية واحدة من تحايا هذه الدموع. . . وكأنما كان يحس، حينما كانت الفتاة تلف ذراعيها حوله، أن حية رقطاء تتحوّى عليه، وتنفث سمها فيه. . . لماذا؟ لم تكن إلا الآلهة وحدها تدري!!

- جاسون. . . أحبك. . . أحبك من أعمق أغوار قلبي! لم أكن أعرفك قبل أن رأيتك من الشرفة تكلم أبي، فلما رأيتك فنيت فيك. . .

- أشكرك يا عزيزتي. . . أشكرك شكراً لا أدري كيف أعبر عنه!

- جاسون! ألا تكون لي إلى الأبد؟

- أنا خادمك. . . بل عبدك إذا شئت!

- لم رَضيت لنفسك ما عرضه عليك أبي يا جاسون؟

- وماذا يخيفني يا ميديا؟ نحن الإغريق لا نرهب الردى، ولا نخاف الموت!

<<  <  ج:
ص:  >  >>