للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من هذه الطبقة ينتظر النفع والفلاح، وعلى هذه الطبقة واجبات كثيرة يجمعها أصل واحد، هو دراسة الإسلام على أساس العلم الحديث واستخراج رأيه في مشاكل العصر، وحكمه في الأحداث التي لم يعرفها الفقهاء ولم تحدث في أيامهم. وأهم من هذا كله الآن استخراج القوانين الأساسية والحقوقية والجزائية من الفقه الإسلامي، بدلاً من أخذ القوانين الأجنبية برمتها وتطبيقها في البلاد الإسلامية التي انبثق منها أعظم تشريع عرف إلى الآن وأرقاه. وهذا العمل يبدأ بالدراسات العلمية الفردية ثم يصل إلى الغاية المتوخاة، وهي أن تتم إحدى الحكومات الإسلامية العمل الذي بدأته لجنة المجلة (مجلة الأحكام العدلية) لكن بمقياس أوسع ونسبة أكبر، فلا تتقيد هذه اللجنة بمذهب واحد من المذاهب الأربعة، بل لا بأس أن تأخذ بعض الأقوال من مذهب آخر، ولا تقيد بالمذاهب الأربعة بل لا بأس أن تأخذ بقول لبعض الأئمة الذين اندثرت مذاهبهم، كالثوري والأوزاعي والليث والبطري والظاهري، إن صح مستند هذا القول، ولا تتقيد أيضاً بهذه الأقوال بل تجتهد كما اجتهد الأئمة، وتأخذ الأحكام من الكتاب والسنة رأساً، وأن تبحث عن المصلحة التي يقتضيها النص، فإن الشريعة ما أنزلت عبثاً، والأحكام لم تشرع لغواً، ولكن لكل حكم مصلحة. ومن دقق في اجتهادات الخلفاء الراشدين وجد أنهم يدورون مع المصلحة أينما دارت. هذا عمر رضي الله عنه علم أن المصلحة المرادة من إعطاء المؤلفة قلوبهم سهماً من الزكاة إنما هي تقوية الإسلام وإعزازه، فلما حصلت المصلحة وعز الإسلام أسقط سهم المؤلفة وهو منصوص عليه في القرآن الكريم. وهذه مسألة طلاق الثلاث بكلمة واحدة كان يقع واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر، فرأى عمر أن المصلحة (في أيامه) في إيقاعه ثلاثاً فأوقعه مع أن الآية صريحة في أن الطلاق مرتان (وقد عادت المصلحة اليوم في إيقاعه طلاقاً واحداً والرجوع إلى الأصل المعروف من الكتاب والسنة). وعطل عمر حد السارق في عام المجاعة. وهذا عثمان جمع الناس على حرف واحد من حروف القرآن، مع أن القرآن أنزل على سبعة أحرف لأن المصلحة تقتضي هذا الجمع. وهذا عليّ حرّق وهو يعلم حكم الله في القتل لأنه رأى المصلحة في هذا العقاب البليغ. والحكومة الإسلامية التي يؤمل منها تحقيق هذا المشروع العظيم هي مصر وحدها، لأنها الحكومة الإسلامية الكبرى، ولأنها وحدها التي ينص دستورها على أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>