للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقوي عزمه على المضي في جهاده المدرسي مرحلته الأخيرة. عجيب! لقد كان إلى قريب يستطيع ان يراها وأن يبادلها الحديث ولو بابتسامة أو إيماءة على بعد، ولم يكن غير ذلك الشخص الذي يزورهم كثيراً لأنه صديق أبيها، حتى إذا أرتبطا بعهد وثيق على أن تكون زوجته، وأن يكون أقرب الناس إليها حيل بينهما وضوعفت الحجب والستور! تقاليد؟ لو أنه لم يكن قدر رآها من قبل ولم يجلس إليها يتحدثان الساعات، ويمتد تعرفهما السنين لكان من حق التقاليد أن تسيطر على عواطفهما وتمليء أرادتها! تقاليد؟ أن الجهل بعض تقاليد الماضي. . . إن الموتى لا يملكون أن يتصرفوا في شؤون الأحياء!

ولم تنقطع زياراته، ولكنها كانت زيارات جافة مملولة، لقد كان يذهب إلى هناك كل يوم، لا يكاد يرى في الطريق من يحييه، لأنه لا يرى غير صورة واحدة يبتكرها خياله لتصحبه إلى هناك، وحين يعود، ما كان أتعسه! هو آدم، ولكنه هبط من الجنة قبل أن يذوق الثمرة، على وجهه علائم الخيبة واليأس والسخط والتبرم بكل شيء، ولكنه كان يذهب كل يوم. . .!

وأحس حامد وخزا أليما بين جنبيه حين علم ان التقاليد المعكوسة لا تجعلها تحتجب عن غيره من شبان الأسرة، وحين سمع صوتها تتحدث إلى واحد منهم في الغرفة المجاورة، لم يحرم عليه ما يحل لغيره؟ ألأنها خطيبته؟ لقد كان ذلك أجدر أن يرفع بينهما الحجاب؟ وابتدأت الغيرة تدب في صدره. أليست تخرج من المنزل قليلا أو كثيرا لمثل ما يخرج له الفتيات من لداتها زائرة أو متفرجة؟ أليست تسير في الطريق ينتهب من حسنها كل ذي عينين، ويستمتع بمرآها كل من أسعده الحظ أن تلتقي بها عيناه؟ يحسبه مثل متع هؤلاء: نظرة عابرة، أو نهلة عارضة، ولكنهم يسعدون بما يتمناه وهو به أحق ومنه محروم!!

أي معنى لهذه التقاليد إلا أن يكون من مثل تصرف الأم مع صغارها إذ تمنع عنهم الطعام حرصا على صحتهم، أو حرصا على الطعام. .! ولكن الأم لا تمنع أولادها الطعام إلى أن يشفي بهم الجوع على الهلاك، ولا هي تمنعه لتطعمه قطط الحي وكلابه، ليس قريبها الذي فتحت له الباب ورفعت الحجاب ووقفت تحدثه جديرا بهذه الوقفة على مرمى نظراتها الفاتنة، ومن دون خطيبها الذي يتلهف شوقا إليها أبواب موصدة وحجب مضاعفة، لماذا لم تمتنع عليه قبل أن يهمس القدر في أذنه بأمنية الزواج منها؟ ليته رضى أن يبقى صديق

<<  <  ج:
ص:  >  >>