للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأسرة زمنا آخر فلم يخطبها ولم يجر حديث الزواج على لسانه، إذ لبقى كما كان (مأمون الجانب) لا تدق أجراس الحذر لقدمه، ولا تغلق دونه الأبواب! ولا يعرف التقاليد ولا تعرفه. .

ولم يطل حامد مجلس في غرفة الاستقبال بعد، فخرج مغضبا وفي عزمه ألا يعود! ولكنه عاد بعد أيام. . وما دام بينه جنبيه قلبه الواهي فلن يستطيع أن يدبر أمراً أو يحكم خطة.

ومرت أيام، ومحا جديد الشوق ماضي الغضب، وجلس مع أبيها يتحدثان في غرفة على الردهة لا يحتجب من يمر قبالتهما، ودق باب البيت، وفتحت الخادم، وقام أبوها فأوصد باب الغرفة، لقد كانت آتية من زيارة إحدى قريباتها، فأبت التقاليد إلا أن يقوم أبوها فيغلق الباب دونهما حتى تمر، وماذا يكون لو رآها كما يراها آلاف الناس في الطريق؟ بل كما يراها ذلك الساب الذي جاء يشيعها إلى دارها؟ وماذا لو كان هو الذي يصحبها ذاهبة لبعض شأنها أو عائدة؟ تقاليد؟ لتسحق هذه التقاليد قبل أن تسحقه، إن كان لا بد أن يكون أحدهما ضحية، لقد كانت تذهب إلى السينما فأي حرج في أن يكون بجوارها هناك، وهي حين تجلس في مقعدها وترفع النقاب عن وجهها لا تبالي من يجلسون بجوارها، وفيهم الفتيان وفيهم الكهول. وعادت الغيرة تأكل قلبه، وتوقد النار في صدره، وجاهر بغضبه، وعادت تمتمة الاعتذار. وأبوا عليها أن تسافر في موعد خاص حددوه لها من قبل، لأن صاحبنا قد حدد هو أيضا ذلك الموعد نفسه لسفره، وماذا لوعدوه رجلا ككل الرجال الذين تقدر كل مسافرة أن تراهم يرافقونها في القطار؟ وأخلفت موعدها وسافرت وحدها وسافر وحده، حذر أن يراها أو يجلس إليها، كما يراها ويجلس إليها كل الناس!

وقدر حامد أنه لا يستطيع أن يصبر طويلا على ذلك البعد الغيور، ورأى أن يتعجل أمره حتى إذا ظفر بزوجه استطاع أن يقف من هذه التقاليد موقفا آخر. ولكن التقاليد أشارت بسبابتها مرة أخرى ووقفت تعترض الطريق؛ لقد كان هناك بعض أمور لها في رأي رجال الماضي شأن واعتبار تأبى هذا التعجيل، وخضع صاحبنا للأمر مرة أخرى ووقف ينتظر والنار تأكله، والتقاليد تذيبه.

ترى كيف حالها في إسارها بين هؤلاء الذي يحصون عليها النظرة والابتسامة، وهي المشبوبة العاطفة الدقيقة الحس، التي يعلم أنها لا تصبر عن لقائه أكثر مما يصبر؟ لقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>