للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لتتم له النبوة؟

- الأمر واضح فلا نبوة بغير معجزة

- وأنا معك في ذلك، وإلا لادعى النبوة كل مشعوذ، ولصار الناس جميعهم أنبياء. والآن أعرني سمعك لأبين لك معجزة الإسلام

لقد كان العرب في جاهليتهم يعبدون إما الأصنام التي كانوا يقيمونها من بعض الحجارة والمعادن، وإما بعض مظاهر الطبيعة المتعددة كالشمس والهواء والبحر والسماء، ولكن العربي المتبدي لم يكن يقدم لآلهته هذه التي راح يلتجئ إليها كلما حز به أمر أو داهمه خطر الذبائح والقرابين، ولا كان يقيم لها الشعائر الدينية والمراسيم، كما كان يفعل الآشوريون والفينيقيون ومن إليهم، بل لم يكن يتحرج عن إهانتها وتحطيمها ولا سيما إذا استقسم عندها بأقداحه فخرج منها ما يكره - كما فعل امرؤ القيس بن حجر الكندي - ذلك لان العربي في الجاهلية كان قلما يهتم بما وراء الطبيعة

ولقد تسربت إليهودية والمسيحية إلى جزيرة العرب فارتدتا عنها بالإخفاق والفشل ذلك لان أحلام الأولى وأمالها، وأسرار الثانية ومعمياتها؛ فمن إله متأنس، إلى رب مصلوب إلى أقانيم ثلاثة بجوهر واحد إلى استحالة الخبز والخمر إلى جسد ودم؛ كانت جميعها مما ينفر منها الطبع البدوي الساذج، أما الإسلام وإن اصطدم بالعنجهية العربية، وتصارع مع وثنية البادية حيناً من الدهر، فإنه تمكن أخيراً من أن يظهر عليهما بالنصر، ذلك لأنه دين يتساوق مع العقل والقلب، يسوي بين الدين والدنيا، ويجعل الفقير بذمة الثري، فهو في حقيقته مجموعة قواعد خلقية سامية، ومبادئ اجتماعية مثلى، وهل الدين في حقيقته إلا إصلاح النفس ولأخلاق في الفرد، وإقامة الفضيلة واجتثاث السوءات في المجتمع؟

ولئن كان معجزة موسى أن حول العصا أمام فرعون حية، لقد كانت معجزة الإسلام ابلغ منها، ذلك لأنه حول مادية النفسية البدوية الضارية التي طبعت على حب الغزو والنهب، وعلى استباحة المنكرات إلى شعلة روحية تشع في أرجاء الكون بنور المبادئ العالية، والفضائل السامية.

ولم نذهب بعيداً في الاستدلال؟ وهذا البدوي الجلف الذي كان بالأمس ينفر من ظل الدين، ويستحل جميع أنواع المنكرات، ولا يتحرج من سفك الدماء البريئة باسم مجد القبيلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>