للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لن ينالوا الرين ذلك النهر الألماني الحر

لن ينالوه حتى تدفن عظام آخر رجل في طيات أمواجه!

ولما ذاق الشاعر الألماني بيكر حلاوت الشهرة عقب ذيوع هذه الأنشودة بعث بنسخة منها إلى شاعر فرنسا الكبير: لامارتين، وكان ذلك منه على سبيل الأدب والتحدي معاً!

غير أن لامارتين كان داعية سلم ووئام ولم يكن في يوم من الأيام بوقاً للحرب والخصام؛ وكان يقول: أنا ابن الإنسانية قبل أن أكون ابن فرنسا؛ ولتهلك أمتي إذا كان في هلاكها حياة الإنسانية

ولهذا جاءت قصيدته في الرد على الشاعر الألماني تفيض بروح المحبة والسلام وقد دعاها فعلاً: (مارسيليز السلام) ومنها:

يا نهر الرين يا نيل الغرب!

يا كأس تستقي منها الأمم!

سر حراً متكبراً في مجراك بين عرض شاطئيك!

واحمل في طياتك مطامع الشعوب الساكنة المرتوية من مائك الشيم!

لن يدنس بعد اليوم بلور مياهك دم الفرنسي الأحمر، ولا دم الجرماني الأزرق كما أن

البارود لن يقوض بعد اليوم الجسور الممتدة فوقك بين الشعبين كاليد الممتدة لمصافحة!

سر في مجراك يا نهر ولا تبال إذا كان الذين تحملهم أو ترويهم هم قاطني شاطئك

الشرقي أو الغربي. وطن كل إنسان هو الإقليم الذي يمتد إليه عقله، فأنا مواطن لكل إنسان يفكر، فالحقيقة هي بلادي!

النسر والثور يشربان من مياهك فليقترب إذن الإنسان وليشربا من مياهك!

وعندما نشر رد لامارتين هذا على أنشودة الشاعر الألماني قابله الشعب الفرنسي بشيء من الفتور عظيم وذلك لخلوه التام من الروح الحربي والحاسة الوطنية، حتى أن فريقاً من النقاد اتهم لامارتين ظلماً بعدم الإخلاص للوطن في حين أن الشاعر معروف بوطنيته الصادقة، ولكنه كان يمقت الدعاية للحرب وإراقة الدماء البريئة، وترميل النساء، وتيتيم الأطفال وتخريب المدن الجميلة العامرة

ولقد كانت الصالونات الأدبية في باريس في ذلك الأوان لا حديث لها إلا (أنشودة الرين)

<<  <  ج:
ص:  >  >>