للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بيير فيلليه]

في اليوم الرابع والعشرين من شهر أكتوبر الماضي كان قطار من القطر آتيا إلى باريس من مدينة (كان) فانحرف عن طريقه وسقطت القاطرة ومعها عربات أربع في هوة عميقة، وكثر الجرحى والقتلى، وكان بين الذين حملتهم عربات الإسعاف إلى مستشفى قريب فمات فيه آخر النهار عالم أديب من علماء الفرنسيين وأدبائهم هو الأستاذ بيير فيلليه، ولم تكد الصحف تذيع نعيه حتى وقع من قلوب الأدباء المثقفين الفرنسيين موقعا أليما.

وقد طلبت مجلة العالمين إلى الأستاذ جوز يف بدييه مدير الكوليج دي فرانس وأستاذ الفقيد أن ينعاه في كلمات قصيرة إلى قرائها في العالمين فقبل رغم ما بقلبه من الحزن. وكتب صفحات مؤثرة نترجمها في ما يلي:

كان بيير فيلليه صاحب الآثار الأدبية القيمة ضريراً كما يعلم كثير من الناس، أصابته هذه الآفة بعد مولده بقليل، ولكنه لم يرض قط أن يشير في أثر من مآثره التاريخية إلى هذه الآفة، وكان يكره أن يشير إليها في مقدمة من مقدماته على أنها تعلة من التعلات أو معذرة من المعاذير. وكان يصدر في ذلك عن رأي له فضله في كتابه (عالم المكفوفين). كان يرى في هذا الكتاب عزاء لأمثاله انهم ليسوا بحال من الأحوال مغلقين كما يقول الناس، وان ليس هناك ميدان من ميادين العمل الاجتماعي أو العقلي يؤخذ عليهم ويغلق من دونهم. وان آفتهم يمكن أن تضايقهم ولكنها لا تستطيع أن تعجزهم عن العمل والإنتاج، لا يحتاجون في ذلك إلا إلى أن تكون قلوبهم قوية صلبة. وأن أشد آلامهم، أو قل ألمهم الوحيد، لأنهم لا يرون، إنما يأتيهم من هذا الإشفاق الظالم الذي يختصهم به المبصرون. وقد أراد دائما أن يعامل في مهنته التي كان يحترفها كغيره من الأساتذة، وفي كتبه التي كان يمليها كغيره من المؤلفين كما يعامل غيره من الناس، فينقد ويحكم على آثاره في غير رعاية ما بأنه ضرير.

أيجب علي الآن أن أطيع أمره وأحترم كبريائه هذه؟ لا. فان الموت قد ألغى هذا الأمر. وإذا كان من الحق أن آفته هذه هي التي بعثت في نفسه أقوى الفضائل وأحقها أن تكون قدوة ومثلا، فأني أستطيع أن أقول أن هذه الآفة نفسها هي التي منحت حياته وآثاره نصيبهما الموفور من الجمال، وكل من قرأ هذه الكلمات سيشعر بأني لا أقول هذا إشفاقا وعطفا، بل حنانا وإكبارا.

ولأجل أن أجد في نفسي أصول هذا الحنان والإكبار يجب أن أرجع بالذاكرة إلى عهد بعيد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>