للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طه حسين بك، إذ كتب برقية إلى ولده؛ فلا جرم كان بذلك - على تفاهته - أنزهَ خصوم الرافعي وأعرَفهم بالأدب اللائق!

ولقد مضى بضعة أشهر منذ ترك الرافعي دنياه؛ فهل رأيتَ أحداً منهم كتب شيئاً عنه يناله بالمدح أو المذمة؟ وهل رأيت اللجنة التي اجتمعت لتأبينه قد استطاعت أن تحمل واحداً من هؤلاء على أن يشاركها فيما تعمل لتأبين الرافعي، أو قل لتأريخ عصر من عصور الأدب قد انطوى تاريخه بين أعيننا ويوشك أن يضيع في مدرجة النسيان؟

ليت شعري أكان الرافعي من الهوان في المنزلة الأدبية بحيث لا يذكره ذاكر من زعماء الأدب العربي ولما ينقض على موته بضعة أشهر، وبحيث تجتمع له لجنة التأبين وتنفض وتحدد الموعد ثلاث مرات ثم لا تجد من يتقدم إليها ليقول في تأبين الرافعي فتوشك أن تنسأ الأجل إلى غير ميعاد. . .؟

ولكنه هو - يرحمه الله - الذي ألَّب على نفسه هذه العداوات حياً وميتاً. لقد كان ناقداً عنيفاً حديد اللسان، لا يعرف المداراة ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه. وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس؛ وكان فيه صراحة وصرامة؛ وكان له في الأدب مذهب وحده؛ وكان فيه حرص على اللغة (من جهة الحرص على الدين، إذ لا يزال منهما شيء قائم كالأساس والبناء: لا منفعة فيهما معا إلا بقيامهما معا) وكان يؤمن بأنك (لن تجد ذا دِخْلة خبيثة لهذا الدين إلا وجدتَ له مثلها في اللغة). . . فكان بذلك كله ناقداً عنيفاً، يهاجم خصومه على طريقة عنترة: يضرب الجبان ضربة ينخلع لها قلب الشجاع. . .!

اقرأ له في أول كتاب المعركة: (. . . إنما نعمل على إسقاط فكرة خطرة، إذا هي قامت اليوم بفلان الذي نعرفه، فقد تكون غداً فيمن لا نعرفه؛ ونحن نرد على هذا وعلى هذا برد سواء، لا جهلّنا من نجهله يلطّف منه، ولا معرفتنا من نعرفه تبالغ فيه. . . فإن كان في أسلوبنا من الشدة أو العنف، أو القول المؤلم أو التهكم، فما ذلك أردنا؛ ولكنا كالذي يصف الرجل الضال ليمنع المهتديَ أن يضل، فما به زْجرُ الأول بل عظة الثاني. . .)

وأول ما أعرف للرافعي في النقد، مقاله في الثريا عن شعراء العصر في سنة ١٩٠٥؛ ثم مقاله في الرد على المرحوم المنفلوطي في المنبر، وكان نشر مقالاً يعارض به رأي الرافعي في الشعراء وينتصف به لصديقه المرحوم السيد توفيق البكري، فكتب المرحوم

<<  <  ج:
ص:  >  >>