للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العملية من الدين. . . وهذا ما كان سبباً في تهكم أحد رؤساء الجامعات الأوربية على دروس الأخلاق النظرية التي وجدها في أحد برامج بعض المدارس العربية العالية. . . إذ قال بأن الشرقيين لا يزالون في الضلال يعمهون حين يظنون أن في المستطاع تكوين الخلق الفاضل بعيداً عن الناحية العملية. وأما الحاضر الذي دلل على ضعف الدين، فهو حاضر لا يمت إلى الدين بشيء

والإصلاح الجديد الذي يراه أصدقاؤك يجلب على المجتمع الدمار والبؤس والفوضى التي يئن تحتها المجتمع الأوربي في مظاهر مدنية النار والحديد

ويرى أصدقاؤك في صلف الإنجليزي العزة، وفي طموح الإيطالي الرجولة، وفي طمع الفرنسي الحياة، وفي صراحة الألماني الهيبة، وفي استقلال الأمريكي الفوز، ويرون في قناعة العربي الإهمال، وفي زهده الحرمان، وفي مداراته الذل، وفي توكله العجز. ولست أظنهم ينصفون الحقيقة في هذا الرأي، فمقياس الفضيلة هو مقدار الناحية العملية الصالحة منها، وحسب أصدقائك أن يقارنوا بين فضائل من ذكروا، وبين فضائل العربي وهو قريب من عهد الرسالة، وهي منتزعة من صميم الدين، والتي لا تمت بصلة إلى الأسماء التي تطلق عليها الآن، وهو على أبواب مدينة حمص حينما هاجمها الروم للمرة الثانية، فتدفع تلك الفضائل العربي أن يعيد لأهل المدينة الجزية التي أخذها منهم، فيرفضون أخذها ويدفعون الروم بكل ما يملكون. والأمثلة كثيرة، وثقافتك الواسعة وعروبتك الصادقة في غير ما حاجة إلى إقامة دليل

وأما الربا فيريدون ألا يظل في عصر الاقتصاد رذيلة، وحجتهم أن الغرب لم يستعبد الشرق إلا عن طريق بنوكه، وأن ربح الأموال التي كانت تضيع على المسلمين في البنوك، لو صرفت على طرق الإصلاح ووجوه البر لما بقي أجنبي في أرضهم ولما ظل تحت سمائهم فقير. والواقع لا يدل على ذلك أبداً، فلقد حرم الدين الربا لحكمة لا نستطيع بعقولنا المادية المحدودة إدراكها. ويجب أن يبقى كذلك عملاً بأوامر الدين. وأما استبعاد الشرق عن طريق البنوك، فمسألة فيها نظر وليست قضية مسلمة، ودليل ذلك أن الإنجليز كانوا يطمعون في مصر منذ سنة ١٨٤٥. ويقرأ ذلك من يشاء في رحلة الإسكندر وليم كنج لاك في بلاد الشرق الأدنى في السنة المذكورة التي سماها (يوثين) حيث تنبأ وهو أمام

<<  <  ج:
ص:  >  >>