للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجهي منها، ونظرت إليهم والى نفسي فضجرت، فعدت أستأذن عليه وقد جال بنفسي أنه قد نسي مكاني، فعاد إليّ حاجبه يقول: الباشا يعتذر إليك اليوم، ويسألك أن تمر به غداً في الساعة كذا. . .

قال الرافعي: (وآذاني ذلك ونال مني، ولكني اعتذرت عنه. فلما كان الغد، جاءني النبأ ينعى إلي زين الشباب المرحوم أمين الرافعي بك؛ فآدني الهم وثقل علي، وضاقت نفسي بما فيها وتوزعتني الوساوس والآلام؛ وما نسيت وأنا أمشي في جنازة الفقيد العظيم أن علي موعداً بعد ساعات، فما هيل عليه التراب حتى كنت في طريقي عدواً إلى القصر وفاء بالوعد الذي اتعدت، وجعلت من وراء ظهري ما علي من واجب المجاملة لمن جاءوا يعزونني في أخي وابن عمي وصاحب الحقوق علي. لقد كان الذي مات زعيماً من زعماء الوطنية له مقداره، ولكني جعلت الوفاء بالوعد فوق ما علي من الواجب للزعيم الذي مات؛ وإنه لأخي، وإن في أعراقه من دمي وفي أعراقي. . .!

قال: (ووقفت بالباب أنتظر أن يؤذن لي فأدخل، وطال بي الانتظار كذلك وإن في دمي جمرات تتلهب. ومضت ثلاث ساعات وأنا في مجلسي ذاك أطالع وجوه الداخلين والخارجين من غرفة الباشا ولا يؤذن لي. . .!

قال الرافعي: (وهاجت كبريائي وثارت حماقتي. . . لا أكذبك يا بني، إن في لحماقة. ولكن. . . إن صرامة عمر بن الخطاب قد انحدرت إلي في أصلاب أجدادي من النسب البعيد؛ ولكن صرامة عمر حين انحدرت إلي صارت حماقة. إن هذه الحماقة عندي يا بني هي تلك البقية من صرامة عمر، بعد ما تخطت إلى هذا الزمن البعيد في تاريخ الأجيال. . .!

قال: (ولما بلغ الحنق بي مبلغه نهضت وفي يدي عصاي، فتقدمت إلى الباب خطوة فدفعته بالعصا وأنا مغيظ محنق، فإذا أنا أمام الإبراشي باشا وجهاً لوجه، والى جانبه رجل أوربي يحدثه. . .، فلم أعبأ، ولم أكترث، ولم أذكر وقتئذ أين موضعي وموضعه، فقلت ما كنت أريد أن أقول، وانتصفت لنفسي، وثأرت لكبريائي. وأحسبني قد خرجت يومئذ عن حدود اللائق في الحديث معه، ولكني لم ألق بالاً إلى شيء من ذلك. وما كان في نفسي إلا أنني قد قلت ما ينبغي أن أقول لأحفظ كرامتي وأصون نفسي، ولا علي بعد ذلك من غضبه

<<  <  ج:
ص:  >  >>