للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ازدهرت فيها حضارتهم وشعت مدنيتهم. فعند ذلك يجب أن تدرس بيئتهم درساً لازماً لا مندوحة عنه. وليس هناك إلا الرحلات والأسفار تنقذنا من نير الآراء المصنوعة والأوهام الثقيلة الموروثة. وسيجد القارئ الأصول التي طبقناها هنا بصورة موجزة. وهذه الأصول ستقود القارئ إلى أن يتجرد من الآراء المدرسية في أكثر المسائل التي تمس الشرقيين من ديانة محمد صلى الله عليه وسلم والرق والحروب الصليبية والعلوم والمعارف والفنون وأثر العرب في أوربا وغير ذلك. . .

- ٣ -

على أن البقايا التي تخلفت من حضارة العرب هي بقايا كثيرة العدد، كافية لأن ندرسها بأجزائها الضرورية. إننا سنأخذ أكثرها من الآثار الفنية والأدبية والعلمية والصناعية والاعتقادية؛ ومن بين هذه الآثار كلها ستكون اكثر استيحاء من الآثار التصويرية، فهي بشكلها الملموس تكلم عقولنا بوضوح. فيها نجد التعبير الصادق عن الحاجات والعواطف والأجيال التي ولدت فيها، وفيها نحس أثر الذرية والبيئة إحساساً جلياً. ففي آثار عصر ما مهما كان نوع منتجاته يستطاع استقراء ذلك العصر استقراء تاماً. فقافلة في العصر الحجري، وهيكل مصري، ومسجد أو كنيسة، وملجأ قطر، ومخدع غانية، وحسام ذو قبضتين، ومدفع ثقيل الوزن، في كل هذا ما هو أفصح بياناً من المناقشات. ولوصف الآثار الفنية للشعب يوجد طريقة واحدة هي تقديمها؛ فإن صور (البارتنون) والحمراء وفينوس في نظرنا أفضل من مجموعة كتب يكتبها كل مؤلفي العالم عليها. ولاعتقادنا بأهمية هذه الصور التي تنقل إلى العقل الصورة الكاملة للعصر الذي قامت فيه عمدنا إلى أن نلتقط هذه المنتجات؛ والقارئ الذي يلتفت فقط إلى الصور المرسومة في هذا الكتاب قد يكون أكثر علماً بحضارة العرب وأطوارها التي تحملتها في أقطار مختلفة من قارئ قصر اطلاعه على مطالعة الكتب التي تبحث عنها، وان وضع الآثار تحت العيون يغني في الوقت ذاته عن الأوصاف المسهبة التي لا تعطي أية فكرة عن الأشياء التي تزعم أنها تصفها وقد يقال بحق: إن مائة صفحة مكتوبة لا تساوي صورة تامة بل قل - ولا غلو - ولا مائة كتاب

عندما نعمل على تحديد الأشكال نجد أن الكلمات في أية لغة غير كافية. ولاسيما إذا كان الموضوع يمس الشرق حيث تكون الصور ضرورية. هنالك بالعيون وحدها تمكن معرفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>