للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه وهو مطمئن إليه، ولكن من العبث والعنت أيضاً أن تجشم الأديب فوق عمله أن يقوم بأعباء الطبع والنشر، وأن تتوقع أن يجني من كل هذا العناء ربحاً عادلاً. وليس لهذا الخلط من نتيجة سوى الاضطراب وفقدان الحقوق. وقد جرب كل أديب في مصر أن يتولى هو هذه الأعباء جميعاً وأن ينهض وحده بها جملة، فأخفق. وليس الإخفاق ألا تجني شيئا، بل أن تجني كل شيء ولا تشعر أنك جنيت شيئا. ولا أذكر هنا ما جرب غيري، فبحسبي ما جربت، وقد نشرت كتباً توليت أنا أمر طبعها ونشرها، ونفدت في زمن معقول، ولكن أصحاب المكاتب يختلفون، ولا سبيل إلى الاستغناء عنهم، وفيهم الأمين ذو الذمة، وفيهم الطامع المنهوم الذي لا يشبع ولا يرضيه إلا أن يخطف كتبك بغير ثمن. ومع ذلك لا يسعني إلا أن أعترف بأني ربحت، وإن كنت لم أشعر بذلك ولم أر له أدنى أثر في حياتي. وإذا حسبت الحساب على الورق وأحصيت ما أنفقت وما حصلت كانت النتيجة أني جمعت مبلغاً من المال لا يستهان به، ولكنه مال على الورق، لأني أنفقت جنيهات رجعت ألي قروشاً مبعثرة ذهبت إلى الشيطان وجربت أن ينفق غيري على طبع كتبي ويتولى عني نشرها ثم نتحاسب، فوقع لي ما يضحك وما يبكي. وأحب أن أستثني طائفة من الجادين المخلصين، وأقول بعد ذلك إن بعضهم نشر لي كتاباً طبع منه أربعة آلاف نسخة نفدت كلها في عام، وشرع يطبع لي كتاباً ثانياً، فقلت أحاسبه، وطلبت منه نصيبي، فكان جوابه الظريف أن دع الكتاب الأول فما أعرف أين ذهب، ولعلهُ سُرق أو حرق، ولنقصر الحساب - في أوانه - على الكتاب الثاني إن شاء الله!

فقلت له: يا أخي غفر الله لك! هل حسبتني هاوياً؟ أم ظننتني أني بائع كوارع؟ إن هذه صناعتي وهي مرتزقي، فإذا لم آخذ حقي فكيف بالله أعيش؟

فابتسم وربت لي على كتفي ملاطفاً، وقال: (العفو! العفو يا أستاذ، لا تقل هذا الكلام! سبحان الله العظيم!).

يعني أنه لا ينبغي لي أن أقول إن هذه صناعتي ومرتزقي! ويظهر أنه كان صادقاً وكنت أنا المخدوع، فقد عشت من غير أن آخذ منه حقي - ولا نصف مليم واحد منه!

وينفد الكتاب - عدة آلاف من نسخه - ثم يتبين لك أن الإسكندرية أو طنطا أو المنيا تسمع به وأن ما بيع بيع معظمه في مدينة واحدة هي العاصمة، والباقي رص في الصناديق

<<  <  ج:
ص:  >  >>