للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- وهل درتم بالقطار دورة ثالثة؟

- لا، يا سيدي، فقد خشيت ليلى أن تفطن إليها العيون فنزلت ونزل الفتى، ولكنه أقبل عليها يقول: هل أستطيع أن أرشد السيدة إلى محتويات المعرض؛ فأني أراها غريبة بهذه البلاد؟ ولكن ليلى لم تلتفت إليه، وانصرفنا ساكتين. وعرف الفتى أن سهمه أخطأ فمضى كاسف البال.

- وبعد ذلك؟

- مضينا بعد ذلك إلى البيت الذي نزلنا فيه بشارع قصر النيل، وكان الحديث على المائدة من أشهى ما يكون، فقد كانت الجرائد نشرت حديثاً لرجل مشهور اسمه سعد زغلول، وكانت ربة البيت تحب إمتاعنا بصور الجدل السياسي في مصر، فأحضرت نحو عشرين جريدة فيها الرفض والقبول لذلك الحديث، ثم أحضرت صورة كاريكاتورية نشرت في الكشكول لكاتب معمم اسمه عبد العزيز البشري فيما أتذكر، وصورة أخرى للشيخ بخيت وهو يعترض على دخول السيدات أروقة البرلمان، وكان الجو كله جو ضحك، ولكن ليلى لم تبتسم. ولعلها لم تعرف كيف كان الطعام في ذلك اليوم.

- مسكينة ليلى!

- نعم، يا سيدي، مسكينة، فقد قضت ليلة مؤرقة، ثم أزعجتني من نومي قُبيل الفجر لأستعد للعودة إلى المعرض.

- ورجعتما إلى المعرض؟

- رجعنا، رجعنا، وركبنا القطار عشرين مرة.

- عشرين مرة؟ ولماذا يا حمقاء؟

- لنرى الفتى ذا العينين الخضراوين!

- ورأيتماه؟

- ما رأيناه، وإنما رأينا أنضر منه وأصبح، رأينا فتياناً كاللؤلؤ المنثور هم الشاهد على أن مصر من الحقول التي تُنبت الجمال. وقد أمتعت عيني بمن رأيت، ولكن ليلى ظلت صريعة الهم والبلبال.

- مسكينة ليلى!

<<  <  ج:
ص:  >  >>