للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أنا لا أسبر أغواري إلا إذا سموت إلى عليائك، ولا أشعر بطهارتي إلا حين يجللني صفاؤك.

إنك تحجبين نجومك كما يتلفع الإله بسنائه. أنت صامتة وبصمتك تذيعين لي حكمتك.

لقد تجليت لي اليوم في سكونك على زبد الآفاق فأعلنت لروحي المزبدة ما فيك من حب وعفاف. جئت إلي جميلة مقنعة بجمالك تخاطبيني بلا كلام وتعلنين حكمتك وما كنت أعلم ما في روحك من عفاف. أتيت إلي قبل بزوغ الشمس أنا المنفرد في عزلتي.

أنا وأنت صديقان منذ الأزل فأحزاننا واحدة كارتياعنا، وعمق أغوارنا وشمسنا واحدة أيضاً. وما نتناجى إلا لوفرة ما نعلم ثم يسودنا الصمت فنتبادل ما أعرف وما تعرفين بلغة البسمات. أفما بعثت أنوارك من مكمن أنواري أفليست فكرتك أختاً لفكرتي؟

لقد تعلمنا كل شيء سوية وتدربنا سوية على الاعتلاء فوق ذاتنا متجهين إلى صميمها مبتسمين بافترار لا تعكره الغيوم. وبلفتات صافية نغرقها في سحيق الأبعاد في حين تتدافع كالأمطار تحتنا النزعات المكبوتة وأهداف الأخطاء.

إلى مَ كانت تتوق نفسي عندما كنت أذهب في الليل شارداً على مسالك الضلال؟ وماذا كنت أطلب في تسلقي الجبال نحو قممها؟ أفما كنت أنت مقصدي أيتها السماء. وهل كانت أسفاري جميعها إلا ذهاباً مع حافز التدرب؟ وهل كان لإرادتي من هدف غير التحليق في الأجواء؟ وهل أبغضت شيئاً بغضي الغمام وكل نقاب يلفع الضياء؟ لقد كرهت بغضي نفسه لأنه يعكر صفاءك أيتها السماء.

إنني أنفر من هذه الغيوم تمر كأنها قطط برية تزحف زحفاً لأنها تختلس مني ومنك أيتها السماء الحقيقة الإيجابية الثابتة في كل شيء؛ فأنا وأنت ننفر من هذه الدخيلات المعكرات من هذه الغيوم الكاسحات، فما هي إلا كائنات مختلطة في نوعها يسودها التردد فلا تعرف أن تلعن بإخلاص ولا أن تبارك بإخلاص. وخير لي أن ألجأ إلى مغارة أو أسقط في هاوية من أن أقف أمامك يا سماء الضياء وقد عكرت صفاءك الغيوم الكاسحات. ولكم وددت لو أنني أسمر أردانها على آفاقك بسهام البروق الذهبية ثم أنزل عليها الرعود تهوى قاصفة على مراجل أحشائها. إنني أود قرعها بعصا الغيظ لأنها تحجب عني حقائقك أيتها السماء الممتدة بأغوار أنوارها فوق رأسي كما تحجب حقيقتي عنك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>