للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب العربي]

الطبيعة في شعر ابن خفاجة

١

في سنة ٤٥٠ للهجرة ولد الشاعر أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة في الأندلس في جزيرة شقر ونشأ فيها كما ينشأ غيره حسب نظام الحياة في تلك العصور على أخذ اللغة العربية عن الرواة والنحويين، وعلى تلقن أحكام الفقه عن الفقهاء والمعلمين، حتى كانت له في الفقه مكانة لم ينكرها معاصروه فلقبوه بالفقيه.

ربما خطر ببالك أننا سنأخذ بعد هذه المقدمة في وصف حياة الشاعر بعد زمن التعلم، وربما لاح لك أن حياته بعد أن صارت له بالفقه تلك المكانة ستكون مملوءة بالأحاديث العلمية والمجادلات الدينية وانه سوف لا يخرج من مجلس علماء إلا ويدخل في مجلس فقهاء، ربما لاح لك أن حياته ستكون بعد أن لقب بالفقيه حياة مدرس جاد أو قاض عادل، أو انه سيسلك سبيل المناصب في الدولة من أمارة أو وزارة، ربما لاح لك ذلك على وجه الظن إن لم يكن على وجه التحقيق، لأنه نتيجة محتومة لحياة التلمذة التي قضاها بين الجد والدرس، وبين مسائل الفقه وأحكام الدين، وبين كتب الكوفيين وكتب البصريين، فنحن نجيبك عما خطر ببالك بالإيجاب، وعما لاح لك بالسلب، ونقول فيه انه كان في طبيعة أبي نؤاس وفي حالة فقيهان غلب عليهما الشعر، وعالمان غلب عليهما الظرف والدعابة

عاش ابن خفاجة في الأندلس وهي يومئذ جنة الله في أرضه، أكسبها موقعها اعتدال المناخ ورقة الهواء، وسقاها الغمام من دموعه، في أكثر أيام السنة، وتفجرت أرضها بالينابيع والجداول في كثير من وديانها، ونبتت الأعشاب والأزهار حول هذه المياه، وقامت فيها الأشجار فلا ترى إذا سرت فيها إلا مياها قوية دافقة، وظلالا وارفة واسعة، في أيام استتب الأمن فيها على يد العرب الفاتحين، وعملت يدهم فيها فأقاموا الجسور وشيدوا القصور وبنوا المدن، ثم خططوا الرياض والبساتين وغرسوا بها الأشجار والأزهار والرياحين، وأسالوا إليها مياه الأنهار والجداول، وأقاموا فيها البرك الجميلة، والبحيرات الواسعة، والمجاري الكثيرة، فدنت قطوفها وكثرت خيراتها، وتحولت من حقول خربة واسعة وأحراش كثيفة إلى بلاد عامرة، ورياض زاهرة، وقصور مشيدة، فتحولت من ملك

<<  <  ج:
ص:  >  >>