للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحلي

وكان هذا السلطان الشرقي يسير في مكان ظاهر من الموكب وحوله بقية الأمراء من وطنه. وكفاهم فضلاً أنهم سافروا في البر والبحر أربعين يوماً ليشتركوا في المهرجان قبل اختراع الطائرات.

وكانت تحمل أذيال الملكة العروس، وهي من الفراء الموشاة بالذهب والدر المنضد، فتيات وأطفال كاللؤلؤ المنثور، نشأوا في الهواء الطلق تحت ظلال أشجار البلوط ورضعن ألبان أمهات صحيحات الأبدان قويات البنية فكانوا وكن زينة الموكب. ولا مراء في أن لكل أميرة أو قرينة وزير أو عقيلة سياسي مشاركة في الاحتفال أن تبتسم من سلامة الفطرة التي كانت متجلية في وجوه الهولنديات، لأن العزلة والحرية والصحة الشاملة استنبتت ونَمت قبل الأوان في قلوبهن عواطف ونزعات وأهواء وشهوات لا تحسها ولا تدركها فتيات أوروبا الغربية. فكنت ترى بعض الأميرات والوصيفات وسيدات الشرف يضحكن في خفر ضحكاً بريئاً لا يؤثر في بساطة الجمال الهولندي وجليل محامده التي لولاها ما ظهر في تاريخ تلك البلاد (منذ الاحتلال في عهد فيليب الثاني) مثقال ذرة من العظمة الإنسانية

ولما كانت الملكة احتجاجية المذهب (بروتستنت) وكان الأمير كاثوليكياً، فقد عقد المعقد مرتين. وألقى خطبة الزواج بالهولندية والإنجليزية والألمانية والفرنسية فان كروب متزنجر كبير أساقفة لاهاي أمام الهيكل الذي شهد زواج والدة الملكة وجدتها وحفلة إعلان استقلال (نيذرلاندز أوبيباس - (الأرض الواطئة) من حكم إسبانيا الذميم

وقد ذرفت الملكة الوالدة دمعتين من دموع الفرح والذكرى لفراق زوجها وهو والد العروس، وكانت تتمنى أن يكون على قيد الحياة ليقدمها لعرسها، وقد حل محله الملك الشيخ ليوبولد الثاني لأن له من الحظوة والزلفى والدالة والوجاهة عند ملوك أوروبا منزلة رفيعة وشأناً عظيماً. وكان الأمراء الشرقيون على غاية السرور، ولم يحسوا شيئاً من التجانف والتجافي اللذين يلقونهما في بلاد الشرق من الحكام الهولنديين والإنجليز، ما عدا السلطان محمود فقد كان آية في الجد والوقار كأنه لا يخلو من التفكير والشجون على فرط اكتراث الملوك واحتفالهم بشأنه، ولكنه ممن لا تفتنهم مظاهر الأبهة ولا تأخذ بألبابهم فخفخة

<<  <  ج:
ص:  >  >>